بقلم وسيم أبازيد
أسباب أحداث السويداء الدامية في يوليو 2025
كان قرار منظومة الحكم المؤقتة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع بالتدخل العسكري والأمني المباشر في محافظة السويداء بذريعة فض النزاع بين مجموعات محلية مسلحة “خارجة عن القانون”، هو قرار سيادي وواجب على اي “دولة” طبيعية سليمة القيام به.
ولكن شكل هذا التدخل كان خاطئاً بشكل كارثي، إذ قامت قوات وزارة الدفاع وقوى جهاز “الأمن العام”، وفصائل مرتبطة بها، ترافقها فصائل عشائرية مسلّحة، بالدخول لمحافظة السويداء وتمشيط القرى وصولا الى مركز المدينة، واثناء ذلك قامت مجموعات منها بارتكاب مجازر ميدانية وإعدامات جماعية واعتداءات على الكرامة الإنسانية لمدنيين عُزّل، بالإضافة للانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها بالمقابل المجموعات المحلية المسلحة.
وقد تسببت هذه الأحداث في أخطر أزمة وطنية منذ إعلان سقوط منظومة بشار الأسد، وبعد أحداث الساحل السوري، ومازالت تشكل تهديدا مباشراً لما تبقى من نسيج وطني مشترك.
هنا لا يمكن المقارنة بشكل عادل بين انتهاكات قامت وتقوم بها عصابات “خارجة عن القانون” وبين انتهاكات قامت بها قوى من المفترض انها ” قوى إنفاذ القانون” ومنع تجاوزه، وتقديم المخالفين والمجرمين للقضاء لمحاسبتهم.
ولا يمكن الحكم على أطراف النزاع – التي زجت منظومة الحكم بالدولة فيه كأحد أطرافه – بدون تحليل أسباب وصول الحالة لمرحلة الصدام المباشر، إذ عاشت محافظة السويداء قبل هذه الاحداث جملة من التطورات المتسارعة أدت الى استقطاب مجتمعي وسياسي غير مسبوق، ناتج عن تجاهل الحكومة المركزية للمطالب المشروعة للحراك الوطني المدني السلمي في السويداء، وفيما بعد مصادرة هذه المطالب من قبل زعامة الهجري الدينية وتحريفها وتشويهها، مما أدى الى وصمها بالخيانة والدعوة للانفصال عن الوطن، واستدعاء العدو الإسرائيلي لحماية المحافظة.
ترافقت أحداث السويداء بتجييش طائفي ممنهج، وقفت الحكومة تجاهه موقف المتفرج عديم الحيلة، دون تجريمه أو حتى الرد عليه إعلاميا وبخطوات منهجية لحماية السلم الأهلي.
ومنذ أحداث الساحل – المشابهة من حيث المقدمات لما جرى في السويداء – ومماطلة منظومة الحكم بالإعلان بشفافية عما توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري، وتمديد عملها لثلاثة اشهر أخرى.
وبالذهاب أبعد من ذلك، ومنذ وصول جماعة الشرع الى الحكم بفعل الامر الواقع والتشابك المصلحي الدولي بعد رحيل عصبة الأسد، اعتمدت تلك الجماعة على استخدام العناوين الرئيسية لمطالب الثورة السورية لكسب شرعية ثورية، ومن ثم افراغها من مضامينها الثورية والوطنية الضرورية لبناء دولة ما بعد الاستبداد، بل وأعلنت انتهاء الثورة وبدء مرحلة بناء الدولة، واتجهت لبناء دولة الغلبة والولاء والقهر بحجة تمثيلها لأغلبية عددية منتصرة.
وبدل إطلاق مسارات لحوار وطني شامل، ينتج عقد وطني جامع، وإطلاق شامل وحقيقي لمسار العدالة الانتقالية، للوصول الى بناء عقد اجتماعي جديد، وإلى مصالحة وطنية مستدامة، تم القفز فوق كل ذلك الى أطر شكلية مفرغة من مضامينها القانونية والثورية والوطنية، والفعل الأخطر هو تأسيس جيش عقائدي وجهاز أمن عام، تقوم على الولاء وليس الكفاءة والحرفية، وإطلاق خطاب رسمي فئوي عصبوي فوق وطني، كل ذلك أفقد أغلب السوريين الثقة بمنظومة حكم الأمر الواقع، وأظهر ملامح تأسيس لاستبداد جديد، وديكتاتورية مقيتة ومدمرة، دفع السوريون أثمانا باهظة في سبيل التخلص منها.
هذه المقدمات، أدت الى ما وصلنا اليه اليوم من ازدياد تفكك النسيج الوطني، وفقدان الثقة بالدولة وبالمستقبل، وتهدد بانهيار الوطن السوري وتجزئته، مع ما يحاك من مؤامرات خارجية، الامر الذي يشكل خطراً وجودياً حقيقياً على بقاء سوريا الحالية.
أحداث السويداء الدامية – الحلول:
على منظومة الحكم الحالية:
- إطلاق مسارات حوار وطني عام وشامل. للوصول الى مؤتمر وطني تأسيسي، ينتخب مجلس حكم وطني، وهيئة تأسيسية تطلق اعلان وطني دستوري جديد وفوري، وتعمل على وضع أسس دستور دائم للبلاد.
- إطلاق مسار العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، بشكل فوري وحقيقي وشامل ونزيه وفاعل.
- ترسيخ حكم القانون واستقلال القضاء: ليكون المرجعية الوحيدة لفضّ النزاعات وحماية الحقوق.
- منح صلاحيات أكبر للإدارات المحلية لتسيير شؤونها الإدارية والخدمية، وصولا لنظام حكم “اللامركزية الإدارية”
- اعلان قانون مؤقت يسمح بحرية تشكيل الأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني.
- اعلان قانون إعلام مؤقت.
- تجريم التحريض الطائفي والشوفينية القومية، دون المساس بحرية الرأي والاعتقاد والضمير.
على النخب الوطنية والكيانات المجتمعية:
- التمسك بالمطالب الوطنية المشروعة بشكل جمعي، وعدم السماح لأي زعامات عصبوية “دون وطنية” بمصادرتها والتحدث باسمها.
- إطلاق المبادرات المجتمعية التي تعزز السلم الأهلي.
- تنظيم الفعاليات السلمية، المطالبة بالحقوق الوطنية، والمطالب الشعبية الحياتية المشروعة بشكل حضاري ومنظم.
- بث خطاب تنويري يركز على الثوابت الوطنية، ويعزز السلم الأهلي والمصالحة الوطنية.
إن أي مشروع حكم لا يحفظ كرامة وحرية وأمن كل مواطن، سيكون مشروعا محكوماً بالفشل، يُعيد إنتاج الاستبداد بأقنعة جديدة.
“لا يكفي أن تتوقف البنادق، بل يجب أن يُعاد ترتيب الوعي. والمصالحة ليست عفوًا عن الجريمة، بل تأسيس لمعنى جديد للعدالة.”
وسيم أبازيد – كاتب سوري
https://www.facebook.com/share/1AowHWoQQz/?mibextid=wwXIfr