أردوغان يدعم الشرع في السويداء: تحالف تركي جديد يعيد رسم المشهد السوري
في تطور سياسي لافت، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعمه الكامل للرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، واصفاً موقفه في محافظة السويداء بـ”الحازم والمسؤول”، مؤكداً أن تركيا لن تتركه وحيداً في وجه التحديات التي تواجه مشروع الاستقرار في سوريا. وجاءت تصريحات أردوغان في أعقاب زيارته إلى شمال قبرص، حيث صرح لوسائل إعلام تركية بأن بلاده لعبت دوراً مباشراً في إنقاذ الشرع من ثلاث محاولات اغتيال خلال الأشهر السبعة الماضية.
تفاهمات السويداء: بداية لاصطفاف إقليمي جديد
اللافت في حديث أردوغان هو الإشادة بما وصفه بـ“الخطوة الإيجابية للغاية” التي اتخذها الشرع من خلال التفاهم مع الطيف الدرزي في السويداء، والتي أسفرت عن اتفاق هش لوقف إطلاق النار برعاية أردنية – تركية، وبتنسيق مع الولايات المتحدة. وأضاف أن دمشق باتت تبسط سيطرتها بشكل جزئي على الجنوب من خلال نشر حوالي 2500 جندي، مشيراً إلى أن فصيلًا واحدًا فقط من الدروز يرفض الانخراط في الاتفاق بسبب ارتباطه بإسرائيل.
وصف أردوغان الوضع في السويداء بأنه “نتاج لمكائد إسرائيلية” تهدف إلى تقسيم سوريا، قائلاً إن إسرائيل “لا تريد لسوريا أن تتعافى أو تتوحد”، معتبرًا أن استقرار الجارة الجنوبية لتركيا يصب في مصلحة الأمن الإقليمي.
أردوغان: لن نترك الشرع وحده
في تحول واضح في خطاب أنقرة، أكد أردوغان أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع أحمد الشرع، ناقش خلاله تطورات الجنوب السوري والهجمات الإسرائيلية، مشدداً على أن تركيا ستقدم له “كل أنواع الدعم” السياسي واللوجستي والأمني، لتعزيز استقراره وضمان سلامة الأراضي السورية. وأوضح أن وزراء الخارجية والدفاع والمخابرات في كلا البلدين باتوا في تواصل مباشر ومنتظم لمتابعة التنسيق الأمني، مشيراً إلى أن وزير خارجيته هاكان فيدان أجرى مباحثات هاتفية مع نظيره السوري أسعد الشيباني، وكذلك مع المبعوث الأميركي توم براك.
هذا التنسيق المتزايد يفتح الباب لتساؤلات عدة حول طبيعة الدور التركي المستقبلي في سوريا، خاصة أن أردوغان شدد في تصريحاته على أن أنقرة “لا تريد تقسيم سوريا”، بل تعتبر تعافيها “ضرورة للأمن التركي”.
ثلاث محاولات اغتيال… ودور تركي حاسم
ذكرت وسائل إعلام تركية، نقلاً عن صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، أن الشرع نجا من ثلاث محاولات اغتيال خلال سبعة أشهر، نفذها تنظيم داعش على الأرجح، وأن تركيا لعبت دوراً حاسماً في كشف بعضها ومنع تنفيذها.
المحاولة الأولى جرت في مارس/آذار، حينما تمكنت الاستخبارات التركية من إحباط هجوم خارج قصر الشعب. أما الثانية فكانت خلال زيارة الشرع لمحافظة درعا، حين اكتشف الأمن السوري والتركي تحركات مشبوهة وتم تغيير المسار. في الثالثة، نصب مهاجم كميناً في دمشق على أحد المسارات المتوقعة للرئيس، مما استدعى تعزيزات أمنية عاجلة.
بحسب تقارير إسرائيلية وأميركية، فإن حياة الشرع باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ظل التحولات السياسية التي يفرضها مشروعه الانتقالي في سوريا، والذي يصطدم بأجندات إقليمية ودولية معقدة.
موقف واشنطن: قلق وشبه دعم
في سياق متصل، أكد أردوغان أن واشنطن بدأت تدرك ضرورة “السيطرة” على الوضع المتصاعد في الجنوب السوري، لا سيما بعد رصد تحركات إسرائيلية تستغل الفوضى للتمدد داخل الأراضي السورية. وقال إن الولايات المتحدة أصبحت أكثر انخراطًا في التنسيق مع أنقرة ودمشق للحفاظ على الهدوء.
التواصل الأميركي – التركي – السوري، وفق ما ورد، يدور حول ثلاث نقاط رئيسية: ضبط الوضع في الجنوب، حماية الشرع من الاغتيال، ومنع انفجار داخلي في محافظة السويداء يمكن أن يعيد إشعال سوريا بالكامل.
ما بعد السويداء: هل يولد تحالف جديد؟
تصريحات أردوغان حول دعمه للشرع، ووصفه له بأنه “شخصية مسؤولة لم تقدم تنازلات في مواجهة إسرائيل”، تمثل بداية اصطفاف جديد في خريطة الصراع السوري، وقد تؤسس لتحالف تركي – سوري انتقالي، يعيد توزيع الأدوار الإقليمية، ويغيّر من طبيعة علاقة تركيا مع المكونات السورية المختلفة، وعلى رأسها قسد.
ورغم أن أردوغان لم يتراجع تمامًا عن موقفه من وحدات حماية الشعب الكردية، إلا أنه بدا أقل حدة في توصيفه لها، مكتفيًا بالقول إن “موقفهم الأخير أثر سلبًا على وضعهم”، مما يشي بإمكانية فتح قنوات جديدة من التهدئة وربما التفاوض مستقبلاً.
التحول التركي: من مطامع في الشمال إلى شراكة في الجنوب؟
لطالما ارتبط الدور التركي في سوريا بشبهات توسعية تستند إلى مقاربة أمنية بحتة، خاصة مع تدخلها المباشر في الشمال السوري منذ 2016 عبر عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، بحجة ملاحقة “وحدات حماية الشعب الكردية”. هذه العمليات أدت إلى سيطرة تركيا على شريط حدودي يمتد من جرابلس إلى رأس العين، وسط اتهامات من جهات سورية بأنها تسعى لـ“تغيير ديموغرافي” وترسيخ نفوذ دائم في تلك المناطق.
لكن ما يلفت الأنظار اليوم هو هذا التحول الدراماتيكي في خطاب الرئيس أردوغان، الذي انتقل من التركيز على الشمال الكردي إلى الجنوب الدرزي، معلنًا دعمًا غير مشروط للرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، ومتبنيًا خطابًا يوحي برغبة في استقرار شامل لسوريا لا يقتصر على حماية حدود تركيا.
هذا التغيير، على ما يبدو، ليس عاطفيًا، بل استراتيجيًا بامتياز. إذ تدرك أنقرة أن استمرار الفوضى في الجنوب سيُبقي ملف اللاجئين مفتوحًا ويهدد أمنها الحدودي. كما أن دعمها لرئيس انتقالي وطني مثل الشرع يتيح لها مقعدًا مؤثرًا على طاولة إعادة الإعمار، بدلًا من أن تُعامل كقوة احتلال.
في هذا السياق، فإن تحالف أردوغان مع الشرع لا يلغي الطموحات التركية القديمة، بل يعيد تشكيلها ضمن توازنات جديدة، يكون فيها النفوذ التركي مشروعًا “تحت مظلة الدولة السورية الجديدة”، بدلًا من أن يكون مفروضًا بالقوة أو مدفوعًا بقلق أمني مزمن.
فإذا ما نجح الشرع في ترسيخ سلطته وتحقيق توافق وطني حقيقي، فإن أنقرة قد تجد في هذه العلاقة الاستراتيجية فرصة تاريخية لتحويل مطامعها إلى شراكة مربحة، دون أن تظهر بمظهر المتعدي على السيادة السورية.
https://www.facebook.com/SyriaNahda
المصادر:
-
Erdogan Says Turkey Will Support Syria’s Transitional Leader – Reuters
-
Yedioth Ahronoth: Assad Faced Three Assassination Attempts – Ynet News
-
Turkey Plays Key Role in Syria Ceasefire Talks – Al Monitor
-
Erdogan’s Speech on Syria After Cyprus Visit – TRT World