المرأة السورية بين رماد الحرب ومرايا النهضة: من الضحية إلى صانعة التغيير
شهدت المرأة السورية خلال أكثر من عقد من النزاع تحوّلًا جذريًا في أدوارها؛ حيث عالية الصمود تتحول إلى قوة فاعلة في إعادة بناء المجتمع وإنهاضه. وفي هذه المقالة، نستعرض مراحل هذا التحوّل، ونسلّط الضوء على قصص ملهمة، وأمثلة شكلّت نقلة نوعية في دور المرأة السوريّة.
1. الضحية والخط الخلفي
في مرحلة الحرب، وجدت المرأة السورية نفسها أمام أزمات مركّبة: النزوح، فقدان الأفراد، وانهيار البنية الاجتماعية. بحسب تقرير لليونيسف، فقد فرض النزاع قيودًا على حق النساء في الصحة والتعليم والأمن. ولكن رغم ذلك، كانت المرأة السورية الأمّ القائدة، التي تربط أفراد الأسرة بالرعاية والقيم، وتقوم بأدوار تاريخية تُخرجها أحيانًا من دائرة الضحية لتصبح حاملة لمشاعل الحياة.
2. من زاوية ضوء: رافعة للسلام والمجتمع المدني
بعد أن فرض واقع الحرب مسؤوليات غير مسبوقة، ظهرت مبادرات ثقافية، إعلامية وإنسانية تقودها المرأة السورية، مثل “شبكة الصحفيات” شمال شرق سوريا، و”كونغريا ستار” في روجآفا، التي ارتكزت على فكرة بأن “بدون تحرير المرأة، لا يمكن تحقيق مجتمع حر”. كما لعبت نساء الشمال الشرقي دورًا محوريًا في إعمار المدارس والمراكز الصحية في مناطق خضعت للحرب.
من جملة هذه المبادرات، تبرز مؤسسة Mazaya في إدلب، التي أسّستها غالية الرحال، وهي نموذج أممي لما يمكن أن تحققه المرأة السورية في مناصرة السلام والديمقراطية، حتى وهي مغتربة.
3. صراع الهوية: بين التقليد والواقع الجديد
عرفت المرأة السورية تناقضات اجتماعية بين الأدوار التقليدية كمربية وزوجة والخروج إلى ساحة العمل والنشاط العام. فتجاوزت الحواجز عبر الانخراط في الحقول الإعلامية كجزء من صحيفة “عنب بلدي”، التي أسّستها نساء كرديات وسوريات لتوثيق الأحداث ونقل صوت سوريا الحرّة. وظهرت وحدات حماية النساء (YPJ) كأيقونات للمقاومة المسلحة، تُظهر قدرة النساء على محاربة الإرهاب وكسر أسطورة “الرجولة الوحيدة” في ساحات القتال.
4. النهضة لا تكتمل دونها
بات عمل الناشطات السوريات نموذجًا لمشاركة فاعلة في صياغة مرحلة ما بعد الحرب. تأسس “الحركة السياسية للمرأة السورية” (SWPM) منذ 2017، لتطوير رؤية لحكومة جديدة فاعلة، تقوم على مبادئ المساواة والعدالة. وفي الشمال السوري، شكّلت Kongreya Star شبكة من المجتمعات النسائية تعاونت في تنظيم مدارس وصحيات وأكاديميات اقتصادية لإعادة بناء النسيج الاجتماعي.
كما تطالب منظمات مثل كفانا وWomen Now بتعزيز الشراكة السياسية، وإدماج صوت المرأة في الدستور السوري الجديد، وتفعيل آليات العدالة الانتقالية بقيادتها.
أمثلة ملهمة
-
جِنوار (Jinwar): قرية نسائية في روجآفا تضمّ المستضعفات، وتقدم برامج تعليمية واقتصادية مستقلة – شعارها “بدون المرأة، لا حرية”.
-
الوحدات النسائية العسكرية: تنظيمات مثل YPJ وBethnahrain لعبت دورًا في الدفاع عن المدنيين، وكسر احتكار القوة الذكورية.
-
الصحافة النسائية: شبكة “عنب بلدي” بأقلام وصور السوريّات الكاشفة للحقيقة والمقاومة المدنية.
تحديات الوصول إلى السلطة ومناطق صناعة القرار
رغم الإنجازات، إلا أن الطريق إلى المراكز السياسية وصناعة القرار لا يزال محفوفًا بالعقبات. فحتى اللحظة، لا توجد مشاركة نسائية فاعلة في المفاوضات السياسية الكبرى، وغالبًا ما تكون مشاركة المرأة شكلية أو رمزية.
أبرز التحديات:
-
النظرة التقليدية التي تحصر دور المرأة في العمل الاجتماعي فقط.
-
ضعف التمثيل داخل الأحزاب والتيارات السياسية.
-
استبعادها من التفاوض بذريعة “الخبرة الأمنية أو العسكرية”.
-
غياب الحماية القانونية والدستورية لمبدأ المساواة الفعلية.
توصيات لصياغة سياسات داعمة
-
إدماج المرأة بنسبة لا تقل عن 30% في أي هيئة دستورية أو تفاوضية مستقبلية.
-
إنشاء مجالس نسائية استشارية رسمية مرافقة للعملية السياسية.
-
تمكين المرأة في الإعلام والسياسات الخارجية لتشكيل خطاب يعكس تطلعاتها الوطنية.
-
إصدار تشريعات تضمن التمثيل العادل في البلديات والمجالس المحلية.
-
تمويل برامج تدريب وتمكين سياسي مخصصة للناشطات في الداخل والخارج.
مجرد بداية ليس لها نهاية ..
إن حضور المرأة السورية في قلب المعركة المجتمعية والسياسية لا يجب أن يُختزل في رمزية الصمود فقط، بل يجب أن يُترجم إلى تمثيل فعلي وقرارات مؤثرة. النهضة التي لا تتسع لطاقاتها، ليست نهضة شاملة، بل مشروع ناقص لا يرى الحقيقة كاملة ولا يؤمن أن التغيير يبدأ من إنصاف النصف المغيّب.
إن قصة المرأة السورية ليست مجرد قصة صمود، بل هي قصة بناء وتسليم راية النهضة. ولتكمل سوريا مسيرتها نحو حقبة جديدة، لابد من وجود المرأة كشريك متساوٍ في صناعة القرار، وتصميم القوانين، وتوجيه المجتمع. الطريق للنهضة الحقيقية يبدأ الآن.

مصادر