web analytics
spot_img

ذات صلة

حقوق المرأة في سوريا… شعارات فارغة أم ظلم مُمنهج؟

تشكل حقوق المرأة أحد المؤشرات الجوهرية على مدى تقدم المجتمعات وتطورها.

في سوريا، ورغم مرور عقود على وضع تشريعات مدنية وقانونية، لا تزال حقوق المرأة محور نقاش وجدل بين ما هو منصوص عليه في القوانين وبين ما يُطبّق فعليًا على أرض الواقع.

أولًا: الإطار القانوني العام:

يستمد القانون السوري جزءًا كبيرًا من مواده من القوانين الفرنسية القديمة، بالإضافة إلى تأثره بالتشريعات الإسلامية، خصوصًا في قانون الأحوال الشخصية. وقد منح الدستور السوري للمرأة حقوقًا متساوية مع الرجل من حيث المبدأ.

الدستور السوري ينص في مادته 23 على أن:

“الدولة تكفل للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”

إلا أن هذا النص الدستوري يُقابل بقوانين تمييزية في جوانب عديدة.

ثانيًا: المرأة في قانون الأحوال الشخصية:

يُعد قانون الأحوال الشخصية السوري أحد أبرز الأمثلة على التمييز القانوني ضد المرأة، ويستند في كثير من مواده إلى الفقه الإسلامي.

كالزواج والطلاق والحضانة قانون الأحوال الشخصية السوري، الصادر عام 1953، والمعدل عدة مرات، هو الإطار القانوني الذي ينظم شؤون الأسرة في سوريا، من زواج وطلاق وميراث ووصاية وحضانة. ورغم أن الدستور السوري ينص على المساواة بين المواطنين، إلا أن هذا القانون لا يطبق هذه المساواة بين المرأة والرجل، خاصة في مسائل الزواج والطلاق والوصاية والحضانة والإرث.

الزواج:

فالسن القانوني للزواج هو 18 عامًا للذكور و17 عامًا للإناث، لكن القاضي الشرعي يمكنه تزويج الفتاة بعمر 13 والفتى بعمر 15 في”حالات الضرورة” وأي ضرورة في ذلك؟

لا تحتاج المرأة في القانون إلى وليّ عند الزواج إذا كانت راشدة حسب التعديل عام 2019، لكن من الناحية العملية، لا يزال الولي يُشترط وفي أغلب الحالات.!

الطلاق:

للرجل حق الطلاق بلفظه فقط دون الحاجة إلى موافقة أو حتى إعلام الزوجة. – للمرأة حق طلب التفريق فقط ضمن شروط معينة (الضرر، الهجر، الغياب، عدم الإنفاق…) ويتطلب الأمر في هذه الحالة إثباتات وجلسات محاكم طويلة الأمد مرهقة للزوجة بطبيعة الحال.

الطلاق التعسفي يُوجب على الزوج تعويضًا ماليًا للزوجة، لكن تقديره يظل تقديريًا ومنخفضًا غالبًا، ويتم التلاعب به في أغلب الأحيان من قِبَل الزوج المتعسف.

الحضانة:

الحضانة تكون للأم ثمَّ للأب ثمَّ لأم الأم ثمَّ لأم الأب، حسب الترتيب الوارد في قانون الأحوال الشخصية السوري لعام 2019. – نصَّ قانون الأحوال الشخصية على أنَّه تنتهي الحضانة بإتمام كل من الفتى والفتاة عمر 15 عامًا، ثمَّ يتمُّ التخيير بين أن يبقى المحضون عند والدته أو والده.

القيود التمييزية:

تسقط الحضانة عن الأم إذا تزوجت من غير محرم للصغير، بينما لا تسقط عن الأب عند زواجه. – نقل الحضانة غالبًا يكون للأب، وفي حال رفض، تنتقل للجد أو العم، لا للأم مجددًا.

هذا القانون مجحف بحق الزوجة من كل النواحي، فالمرأة  تُحرم من طفلها أو طفلتها لمجرد أنها تمارس حقها الطبيعي في الحياة، وهو الزواج بآخر، وذلك بعكس الرجل الذي منحه القانون حرية تم سلبها عنوة من المرأة.

النفقة:

تشمل فعليًا الطعام، الكسوة، العلاج، والسكن. ويوجد خلل كبير وواضح في التنفيذ، فالقانون يُلزم الرجل بالنفقة، ولكن في أغلبية حالات الطلاق لا تحصل المرأة على النفقة فعليًا، وذلك بسبب ضعف التنفيذ القضائي، لأنه لا توجد آليات فعالة لتحصيل النفقة أو فرض الغرامات على المماطلين، بسبب وجود قصور في السلطة التنفيذية في المحاكم الشرعية في سورية.

الوصاية والقوامة في القانون السوري:
تعريف المفهومين:

الوصاية: هي سلطة قانونية تُمنح لشخص على قاصر (طفل أو ناقص أهلية) لإدارة شؤونه المالية أو الشخصية، عند غياب الأب أو وفاته:

القوامة: هي سلطة شرعية يملكها الرجل على المرأة(زوجته) أو على أولاده في بعض الحالات، وتشمل الإشراف والقرار في الأمور المصيرية.

الوصاية على الأولاد وفقًا لقانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953، المعدل:

تنص المادة  170: “الولي هو الأب، ثم الجد الصحيح، ثم وصيّ أحدهما، ثم القاضي”.

المادة  173: “إذا ثبت عدم صلاحية الولي أو غيابه أو موته، تعود الولاية إلى من يليه وفق الترتيب”.

ومع ذلك، لا تذكر المواد أن الأم تحظى بالولاية إلا إذا انعدم وجود جميع الذكور في التسلسل، وهو ما يعد تمييزًا واضحًا.

ما الفرق بين الحضانة والوصاية؟

الحضانة: تعني الرعاية اليومية للطفل، وتُعطى غالبًا للأم حتى سن معينة.

الوصاية أو الولاية: تعني السلطة القانونية لاتخاذ قرارات مصيرية(تعليم، سفر، معاملات…).

حتى لو كانت الأم حاضنة، لا يحق لها إصدار قرارات رسمية تخص الطفل دون موافقة الأب أو الولي الشرعي.

التمييز يظهر جليًاف المرأة في القانون السوري لا تملك ولاية على أولادها حتى أثناء الحضانة و لا تستطيع إصدار جواز سفر، نقل مدرسة، إجراء عملية جراحية للطفل… دون إذن وليه – حتى في حال الطلاق، تستمر الولاية بيد الأب.

في حال وفاة الأب، تؤول الولاية إلى الجدّ، وليس إلى الأم، ما لم يصدر حكم قضائي خاص.

مطالب إصلاحية ضرورية:

  1. منح الأم الحاضنة الحق بالولاية التربوية والإدارية تلقائيًا.
  2. تعديل المواد المتعلقة بالطاعة والنفقة لفصل الحقوق المالية عن العلاقة السلطوية.
  3. إلغاء التسلسل الذكوري في الوصاية في حال وجود الأم الصالحة قانونيًا.
  4. إقرار مبدأ “مصلحة الطفل الفضلى” كمرجعية حقيقية وليس شكلية.

نحو إصلاح شامل:

تمكين المرأة السورية لا يتحقق فقط بتعديل مادة قانونية، بل يتطلب رؤية وطنية شاملة تُعيد بناء منظومة القيم، وتُدخل مبدأ العدالة الجندرية في كل سياسات الدولة، من القضاء إلى الاقتصاد إلى التعليم.

مقترحات إصلاح تشريعي لتعزيز حقوق المرأة:

  1. إقرار قانون مدني موحد للأحوال الشخصية.
  2. الاعتراف الكامل بولاية الأم.
  3. تجريم العنف الأسري بشكل صريح ومستقل.
  4. إلغاء المواد التي تقيّد استقلالية المرأة.
  5. فرض حصص تمثيلية (كوتا) نسائية ملزمة في المؤسسات السياسية.
  6. إصلاح المناهج التعليمية لتشمل مفاهيم المساواة، نبذ العنف ضد النساء، ومكانة المرأة في التاريخ والمجتمع.
  7. إطلاق حملات توعية وطنية بالشراكة مع الإعلام والمؤسسات الدينية المعتدلة، لتغيير الصور النمطية عن دور المرأة.
  8. تمكين اقتصادي حقيقي للمرأة عبر دعم المشاريع النسائية الصغيرة، وتوفير تمويل مخصص لريادة الأعمال.
  9. تطوير المؤسسات المعنية بالأسرة والطفل لتصبح أكثر كفاءة واستقلالية، مع إنشاء وحدات خاصة لحماية النساء والأطفال من العنف.

حقيقة لابد من تفعيلها:

المرأة ليست مكوّنًا تابعًا في المجتمع السوري، بل شريكة كاملة في إعادة بنائه. ولا يمكن لأي نهوض حقيقي أن يتم دون تحقيق الكرامة، والعدالة، والمساواة للمرأة في النص والتطبيق والوعي العام.

جمانة يوسف
متوسط التقييم
لا يوجد تقييم بعد
جمانة يوسف
جمانة يوسفhttps://syria-nahda.org/
أستاذة محامية متخصصة، تحمل درجة الإجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام 1998.تؤمن بأن "الجميع دون استثناء تحت سقف القانون لتحقيق العدالة الاجتماعية الكاملة"
spot_imgspot_img