دور النُخَب في إعادة كتابة العقد الوطني
في اللحظات التاريخية التي تمر بها الشعوب بعد فترات من الاستبداد أو التفكك، تبرز مسؤولية النخب – الفكرية والسياسية والمهنية – كمحور أساسي في بناء عقد وطني جديد يضمن وحدة الدولة وعدالتها واستدامتها. هذا الدور ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية، لأن غياب النخب الواعية والمنظمة يترك فراغًا تملأه الفوضى أو القوى الانتهازية.
النخب ليست فقط من يحملون الشهادات أو يتحدثون بلغة نخبوية، بل هم كل من يمتلكون قدرة تحليلية، حسًا بالمسؤولية العامة، ورؤية تتجاوز المصالح الضيقة. هؤلاء مطالبون اليوم بصياغة أسس واضحة للعقد الوطني القادم، تتجاوز الشعارات العاطفية أو الثأرية، وتؤسس لنظام سياسي عادل، يضمن حقوق الجميع على قدم المساواة.
لكن النخب العربية، وفي الحالة السورية تحديدًا، تواجه تحديات عميقة: الانقسام، الغربة عن الشارع، فقدان الثقة، والتورط أحيانًا في الحسابات الدولية بدل الوطنية. لذلك، فإن أول ما تحتاجه النخب هو نقد ذاتي صريح، واستعداد للعمل الجماعي، وبناء ثقة جديدة مع الناس.
إعادة كتابة العقد الوطني لا تبدأ من فوق، بل من حوار صادق ومنفتح بين مكونات المجتمع، تقوده نخب شجاعة، متواضعة، وتضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات الشخصية أو الأيديولوجية.
في النهاية، لا يُبنى الوطن بالولاء الأعمى أو الصراع على السلطة، بل بالعقول النظيفة، والضمائر الحية، والقدرة على جمع المختلفين حول طاولة واحدة.