web analytics
spot_img

ذات صلة

تقرير حول أحداث محافظة السويداء (13 يوليو – 16 يوليو 2025)

مقدمة

شهدت محافظة السويداء جنوبي سوريا منذ 13 يوليو 2025 موجة عنف هي الأخطر منذ سنوات،

بدأت باشتباكات طائفية دامية بين مقاتلين محليين من أبناء الطائفة الدرزية وعشائر من البدو. سرعان ما تطورت المواجهات لتشمل تدخّل قوات الجيش والأمن السورية في المحافظة، وأدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى خلال أيام قليلة. كما تخللت الأحداث خروقات خطيرة لحقوق الإنسان بما في ذلك إعدامات ميدانية طالت مدنيين دروز، وتدخل عسكري خارجي من قبل إسرائيل بحجة حماية الأقلية الدرزية. في هذا التقرير نستعرض بالتفصيل التطورات الأمنية والعسكرية، الأبعاد السياسية والمواقف الإقليمية والدولية، الوضع الإنساني والاقتصادي، وتحليل الأطراف المتورطة ودوافعها ومسؤولياتها، مستندين إلى مصادر إعلامية وحقوقية موثوقة سورية وعربية ودولية.

التطورات الأمنية والعسكرية

بداية الاشتباكات (13 يوليو) – اندلعت شرارة العنف ظهر الأحد 13 تموز/يوليو 2025 عندما هاجم مسلحون دروز حيّ المقوس في شرق مدينة السويداء، وهو حي تقطنه عشائر بدوية. جاء الهجوم بهدف تحرير نحو 10 دروز اختطفتهم مجموعات بدوية في وقت سابق من ذلك اليوم. كانت عمليات الاختطاف المتبادلة قد بدأت إثر حادث اعتداء تعرض له شاب درزي يُدعى فضل الله دوارة مساء السبت، إذ اعترضه مسلحون من البدو قرب بلدة المسمية شمال السويداء وقاموا بسلب شاحنته ومبلغ 7 ملايين ليرة سورية قبل إطلاق سراحه بحالة حرجة.

رداً على ذلك، احتجز مقاتلون دروز عدداً من أبناء العشائر البدو، فقامت العشائر بنصب حاجز في حي المقوس واختطفت بدورها دروزاً آخرين وقطعت الطريق الرئيسي. هكذا تفجرت دائرة عنف انتقامية أدت إلى مواجهات مسلحة في حي المقوس سرعان ما امتدت إلى مناطق أخرى. وبحلول مساء 13 يوليو، كانت الحصيلة الأولية لاشتباكات الأحد حوالي 10 قتلى و50 جريحاً على الأقل.

_مسلح محلي يجوب أحد شوارع السويداء فيما خلفه سيارة محترقة خلال مواجهات 14 يوليو 2025. تصاعد العنف الطائفي بين دروز وبدو في المحافظة أدى لاشتباكات عنيفة داخل المدينة وأطرافها_

تصاعد حدة القتال (14–15 يوليو) – في اليومين التاليين اتسعت رقعة الاشتباكات بشكل خطير. انتقلت المعارك إلى قرى في الريف الغربي والشمالي للسويداء، من بينها قرية الصورة الكبيرة عند المدخل الشمالي للمحافظة وقرية الطيرة في الغرب. صباح الإثنين 14 يوليو شهدت السويداء أعنف قتال، حيث شنت مجموعات من عشائر البدو هجوماً واسعاً انطلاقاً من ريف درعا الشرقي بمشاركة عناصر من قوات وزارتي الدفاع والداخلية السورية، واستهدفت عدداً من قرى ريف السويداء الغربي.

ردّت وزارة الدفاع السورية بإرسال تعزيزات كبيرة إلى المحافظة، تضمنت عشرات الجنود ومختلف أنواع الأسلحة في محاولة لدعم الحواجز الأمنية التي تعرضت للهجوم. خلال هذه المعارك، استخدمت الأسلحة الثقيلة بما في ذلك قذائف الهاون والمدفعية، وأفيد عن انتشار دبابات تابعة للقوات الحكومية في محيط السويداء.

وبحلول نهاية يوم 14 يوليو، ارتفع عدد القتلى الإجمالي بشكل حاد. قدرت مصادر حقوقية سقوط ما لا يقل عن 89 قتيلاً منذ بدء الأحداث، بينما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الحصيلة بلغت نحو 64 قتيلاً في أول 24 ساعة بينهم 48 من أبناء السويداء (دروز) – منهم طفلان وسيدة – مقابل 10 قتلى من أبناء البدو و6 قتلى من عناصر وزارة الدفاع.

دخول القوات الحكومية وإعلان حظر التجول – مع استمرار الاشتباكات واتساعها، قررت السلطات الدخول المباشر للقوات الحكومية إلى محافظة السويداء لفض النزاع. مساء الإثنين 14 يوليو أعلنت وزارة الدفاع أنها – بالتنسيق مع وزارة الداخلية – بدأت نشر وحدات الجيش وقوى الأمن في المناطق المتأثرة لتوفير ممرات آمنة للمدنيين والفصل السريع بين المتقاتلين. وبحلول صباح الثلاثاء 15 يوليو، وصلت قوات الجيش والأمن الداخلي إلى مشارف مدينة السويداء وبدأت بدخول مركز المدينة تدريجياً.

رافق ذلك فرض حظر تجول شامل في السويداء ابتداءً من صباح الثلاثاء وحتى إشعار آخر، بهدف استعادة السيطرة ووقف إطلاق النار. وزارة الداخلية السورية شددت في بيان لها أن مهمة دخول القوات الأمنية والعسكرية هي “ضمن واجبها الوطني لوقف إراقة الدماء وضبط الأمن وفرض الاستقرار” دون الانحياز لأي طرف. وأكدت الداخلية أن دورها يقتصر على حماية المدنيين والحفاظ على سلامتهم، داعية جميع الأطراف المحلية للتعاون والتزام الهدوء واحترام سيادة القانون.

إعلان هدنة مؤقتة وخرقها – ظهيرة الثلاثاء 15 يوليو، وبعد مشاورات مع وجهاء وشيوخ عقل الطائفة الدرزية، أعلن وزير الدفاع مرهف أبو قصرة التوصل إلى اتفاق هدنة ووقفٍ تام لإطلاق النار في مدينة السويداء. جاء في إعلانه المقتضب: “إلى كافة الوحدات العاملة داخل مدينة السويداء، نعلن وقفاً كاملاً لإطلاق النار”.

وقد أكد أن هذا الاتفاق تم بالتنسيق مع زعماء المجتمع المحلي سعياً لإنهاء القتال. بالفعل ساد هدوء نسبي لفترة قصيرة بعد إعلان الهدنة، إلا أنه سرعان ما تم خرق وقف إطلاق النار وتجددت الاشتباكات داخل بعض أحياء المدينة صباح الأربعاء 16 يوليو. تبادل الطرفان الاتهامات حول المتسبب في خرق الهدنة؛ حيث اتهمت وزارة الدفاع السورية “مجموعات خارجة على القانون” بأنها عاودت مهاجمة قوات الجيش والأمن في السويداء ما استدعى الرد على مصادر النيران بالقصف، بينما حمّل مشايخ Druze المحليون القوات الحكومية مسؤولية استفزاز المقاتلين المحليين ومواصلة عملياتها بعد اتفاق التهدئة. وهكذا استمرت المعارك المتقطعة حتى ظهر 16 يوليو.

التدخلات الخارجية والمواقف الإقليمية

الضربات الإسرائيلية – مثّلت إسرائيل أبرز طرف خارجي تدخل عسكرياً في أحداث السويداء. فمع دخول قوات الجيش السوري إلى المحافظة، أعلنت إسرائيل بوضوح رفضها لانتشار أي قوات تابعة لـ“النظام السوري” قرب هضبة الجولان المحتلة. مساء الاثنين 14 يوليو، وبعد ساعات من بدء انتشار القوات الحكومية، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي ضربات استباقية استهدفت مواقع عسكرية سورية في منطقة السويداء.

أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنه تم قصف عدة دبابات في منطقة قرية سميع غرب السويداء أثناء تحركها نحو المدينة. وبرر الجيش الإسرائيلي ذلك بأن وجود دبابات تابعة للقوات السورية في جنوب سوريا يشكل تهديداً محتملاً لإسرائيل، وأن هذه الضربات جاءت لمنع وصول التعزيزات ولتوجيه رسالة تحذير صارمة للسلطات السورية الانتقالية. وقد صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يوأف غالانت (إسرائيل كاتس) بأن إسرائيل “لن تسمح بالاعتداء على الدروز في سوريا، ولن تقف مكتوفة الأيدي”، مؤكداً أن الضربات الإسرائيلية بمثابة تحذير واضح للنظام السوري لعدم استهداف الطائفة الدرزية.

واستمر الموقف الإسرائيلي بالتصعيد؛ فمع تجدد الاشتباكات يوم 16 يوليو، شدد كاتس أن الجيش الإسرائيلي سيواصل قصف قوات الحكومة السورية ما لم تنسحب من مدينة السويداء، مهدداً بتصعيد الرد العسكري إذا لم تمتثل دمشق. من جهتها اعتبرت الخارجية السورية هذا التدخل انتهاكاً خطيراً لسيادة البلاد وعدواناً موصوفاً، ونددت بما وصفته بمحاولة إسرائيل خلق منطقة عازلة خالية من القوات السورية في جنوب البلاد.

دبابة تابعة للقوات الحكومية السورية تشتعل قرب بلدة المزرعة في ريف السويداء بتاريخ 14 يوليو 2025، وذلك بعد استهدافها خلال الاشتباكات أو الضربات الإسرائيلية. كثفت إسرائيل غاراتها على جنوب سوريا منذ سقوط نظام الأسد أواخر 2024، بمعدل ضربة كل 3–4 أيام

الموقف الدولي والأممي – إلى جانب إسرائيل، أثارت أحداث السويداء اهتماماً وقلقاً دولياً واسعاً. الولايات المتحدة عبرت عن قلقها من التصعيد ودعت إلى التهدئة؛ حيث صرح المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس (توم) بارّاك بأن واشنطن على تواصل مع جميع الأطراف لـ“التوصل إلى نتيجة سلمية وشاملة تراعي مصالح الدروز والقبائل البدوية والحكومة السورية والقوات الإسرائيلية”.

وأكد بارّاك أن الاشتباكات الأخيرة في السويداء مقلقة لجميع الأطراف، مشيراً إلى انخراط بلاده دبلوماسياً لدعم جهود نزع فتيل الأزمة. من جهته، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بياناً يوم 16 يوليو دعا فيه “السلطات السورية المؤقتة” (الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع) والقادة المحليين في السويداء إلى خفض التصعيد فوراً عبر الحوار وحماية المدنيين واستعادة الهدوء.

كما حثّ غوتيريش على إجراء تحقيق شفاف وعلني في الانتهاكات التي وقعت ومحاسبة المسؤولين عنها. وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة قلقه البالغ من أي تحريض طائفي أو أعمال نهب وتخريب تطال الممتلكات، مديناً جميع أشكال العنف ضد المدنيين وخاصة ما يهدد بإذكاء التوترات الطائفية.

وفي سياق متصل، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها كذلك من الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، داعية إسرائيل إلى احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها والامتناع عن أي أعمال تزيد الوضع تفجيراً. يُذكر أن نائبة المبعوث الأممي الخاص، نجاة رشدي، كانت متواجدة في سوريا خلال الأحداث حيث أجرت اتصالات لحث السلطات الانتقالية والفعاليات المحلية على التهدئة والحوار، بالتوازي مع جهود المنسق الإنساني الأممي آدم عبد المولى لنقل رسائل مماثلة بشأن حماية المدنيين وضبط النفس.

المواقف المحلية السورية – على الصعيد السياسي الداخلي، برز تباين في مواقف الزعامات الدرزية من جهة وموقف الحكومة السورية الانتقالية من جهة أخرى. الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز (وهي المرجعية الدينية العليا للطائفة) أصدرت صباح الثلاثاء 15 يوليو بياناً رسمياً رحبت فيه بدخول قوات وزارتي الداخلية والدفاع إلى السويداء “لتأمينها وبسط الأمن”.

ودعت الرئاسة الروحية جميع الفصائل المسلحة في السويداء إلى التعاون مع القوات الحكومية وعدم مقاومتها وتسليم أسلحتها لها. كما طالبت بفتح حوار مع الحكومة لمعالجة تداعيات الأحداث، وتفعيل مؤسسات الدولة في السويداء بالتعاون مع أبناء المحافظة من الكفاءات المحلية. وقد وافق على هذا البيان بدايةً الشيخ حكمت الهجري (أبرز مشايخ العقل الدروز الثلاثة) مع مشايخ آخرين، بما عُدَّ مؤشر تهدئة وتنسيق بين قيادات الجبل والسلطة.

لكن هذا التوافق ما لبث أن اهتز سريعاً. فبعد انتشار أنباء عن انتهاكات جسيمة ارتكبتها القوات الحكومية فور دخولها المدينة (سنستعرضها في قسم لاحق)، خرج الشيخ حكمت الهجري نفسه في تسجيل مصور مساء 15 يوليو أعلن فيه تراجعه عن البيان السابق. واتهم الهجري القوات الحكومية بخرق الاتفاق وقام بالتحريض ضدها علانية، واصفاً ما جرى بأنه “اعتداء وحشي” على أبناء السويداء.

ودعا الهجري المقاتلين المحليين إلى التصدي للهجوم و”الدفاع عن الكرامات” بعد أن رأى بأم العين ما حلّ بالمدنيين من قتل وتنكيل. هذا التباين بين ترحيب أولي ثم اعتراض لاحق يعكس انقساماً في الصف الدرزي؛ فبينما فضّل بعض الزعماء الروحيين التعاون مع الدولة لضبط الأمن، شعر آخرون بأن الثقة قد خُذلت نتيجة تجاوزات العناصر المهاجمة، مما دفعهم للتراجع عن دعم دخول الجيش.

على الجانب الرسمي، أكدت الحكومة السورية المؤقتة بقيادة الرئيس أحمد الشرع (الذي تولى السلطة بعد إطاحة بشار الأسد في ديسمبر 2024) تمسكها بإعادة النظام والقانون إلى السويداء. وجّهت الرئاسة السورية تحذيراً بأنه سيتم محاسبة أي فرد يثبت تجاوزه أو ارتكابه انتهاكات خلال أحداث السويداء “مهما كانت رتبته أو موقعه”. كما شددت وزارة الخارجية السورية في بيان لها على أن حصر حمل السلاح بيد الدولة هو أمر سيادي لا تهاون فيه، وأن ما شهدته السويداء من انفلات أمني تؤججه “جهات منظّمة تسعى لجر المحافظة إلى فوضى خطيرة”.

ودعت الخارجية جميع الأطراف المحلية إلى تحكيم العقل والوقف الفوري للعنف وتسليم السلاح غير الشرعي للدولة. كذلك أكدت وزارة الداخلية احترامها الكامل لحقوق جميع مكونات الشعب السوري والتزامها بحمايتهم وضمان أمنهم وسلامتهم دون تمييز، في محاولة لطمأنة أبناء السويداء بأن تدخلها يهدف إلى حماية الأهالي وليس استهدافهم.

الوضع الإنساني وحقوق الإنسان

الخسائر البشرية بين المدنيين – تكبّد المدنيون في السويداء ثمناً باهظاً جراء هذه الأحداث الدامية. فإلى جانب الضحايا من المقاتلين، سقط عدد كبير من الأبرياء خلال الاشتباكات أو نتيجة الانتهاكات. وبحسب توثيقات المرصد السوري لحقوق الإنسان ووكالة فرانس برس، بلغ إجمالي القتلى من المدنيين الدروز ما لا يقل عن 28 شخصاً منذ اندلاع العنف، بينهم نساء وأطفال.

من هؤلاء نحو 21 مدنياً درزياً قُتلوا بدم بارد عبر عمليات “إعدام ميداني” بإطلاق الرصاص عليهم على أيدي عناصر من قوات الجيش والأمن السوري بعد دخولها مدينة السويداء. وأفاد المرصد أن من بين هؤلاء الضحايا 12 مدنياً أُعدموا عقب اقتحام القوات الحكومية مضافة آل رضوان في مدينة السويداء، حيث انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مروعة تُظهر جثث حوالي عشرة أشخاص بلباس مدني مضرّجين بدمائهم داخل المضافة، بعضهم ممدد على الأرض وآخرون على الأرائك، وقد تناثرت حولهم صور لمشايخ دروز محطمة وأثاث مبعثر في كل مكان. كما وثّق المرصد إعدام 4 مدنيين آخرين (بينهم امرأة) داخل مضافة آل مظلومة في قرية الثعلة بريف السويداء الغربي، على يد مجموعة مسلحة تابعة للقوات الحكومية.

وفي حادثة مفجعة أخرى، ذكرت مصادر حقوقية أن عناصر من دوريات الأمن العام السورية أوقفوا ثلاثة أشقاء من المدنيين الدروز قرب دوّار الباشا شمال مدينة السويداء أمام والدتهم، وقاموا بإعدامهم ميدانياً رمياً بالرصاص على مرأى من الأم المكلومة.

هذه الروايات أكدتها أيضاً مشاهدات صحفية ميدانية؛ فقد أفاد مراسل لوكالة فرانس برس تمكن من دخول مدينة السويداء بعد انتشار القوات السورية بأنه شاهد جثثاً ملقاة في الشوارع، في حين كانت أصوات إطلاق النار تتردد على نحو متقطع في أنحاء المدينة الخالية. ووصف أحد السكان الوضع بقوله: “أنا في وسط السويداء والأصوات لا تزال مسموعة… الاشتباكات مستمرة”. وأكد ريان معروف رئيس تحرير منصة السويداء 24 المحلية في تصريحات لفرانس برس أن “القوات الحكومية دخلت بحجة إعادة الأمن لكنها للأسف مارست أعمالاً وحشية” داخل المدينة.

الانتهاكات والإساءات – إلى جانب عمليات القتل، سُجلت انتهاكات عديدة لكرامة المدنيين وممتلكاتهم أثناء وبعد دخول القوات الحكومية وحلفائها من المسلحين البدو. اتهم ناشطون حقوقيون تلك القوات بارتكاب أعمال تنكيل وترويع ذات طابع طائفي ضد الأهالي الدروز.

إذ تحدث المرصد السوري عن قيام عناصر أمنية بإذلال مدنيين دروز كبار في السن عبر حلق شواربهم قسراً أمام الكاميرات – وهو تصرف يُعد إهانة كبيرة في الثقافة الدرزية. كما وردت أنباء عن اعتداءات على دور العبادة، حيث أقدم مسلحون مجهولون على إحراق كنيسة مار ميخائيل في إحدى مناطق الريف، في مشهد أثار استياء واسعاً (هذه المعلومة وردت في تقارير إعلامية محلية). إضافة لذلك، انتشرت مقاطع مصورة تُظهر تعرض منازل ومحال تجارية للنهب والحرق داخل مدينة السويداء عقب سيطرة القوات الحكومية عليها.

قص شوارب 5 محطات تكشف فظاعة ... ما يحدث في محافظة السويداء؟
قيام عناصر أمنية بإذلال مدنيين دروز كبار في السن عبر حلق شواربهم قسراً أمام الكاميرات

وقد أكد السكان وقوع عمليات سرقة لممتلكات خاصة في بعض الأحياء، الأمر الذي دفع العديد منهم إلى الهرب وترك منازلهم خشية على حياتهم وأرزاقهم.

في مواجهة هذه الاتهامات، أعلن الإعلام الرسمي السوري عن تشكيل لجان تحقيق لمحاسبة أي أفراد تورطوا في تجاوزات. وأصدر مكتب الرئاسة في دمشق توجيهات صريحة تدعو إلى محاسبة كل من يثبت تورطه في انتهاكات أو تجاوزات، بغض النظر عن رتبته.

لكن مراقبين شككوا في جدية هذه الوعود، مشيرين إلى أن مثل هذه الجرائم سبق أن ارتُكبت في مناطق أخرى (كالساحل السوري قبل أشهر) دون أن يُعاقب مرتكبوها. ويطالب الأهالي اليوم بتحقيق دولي مستقل في ما جرى، لضمان عدم إفلات المسؤولين من العقاب.

النزوح والأوضاع المعيشية – تسببت المعارك والقصف في خلق أزمة إنسانية داخل السويداء ومحيطها. فمع احتدام القتال، اضطر آلاف السكان إلى ترك منازلهم بحثاً عن الأمان. شهدت المحافظة موجة نزوح جماعي باتجاه القرى الأكثر أمناً وإلى ريف درعا الشرقي المجاور، حيث لجأ العديد من العائلات الدرزية إلى بلدات في محافظة درعا ذات الأغلبية السنية طلباً للحماية.

كما نزح عدد كبير من أهالي القرى الحدودية بين السويداء ودرعا، وافترش بعضهم المدارس والأبنية العامة كمراكز إيواء مؤقتة. قدّرت مصادر محلية أن ما لا يقل عن عدة آلاف من المدنيين تركوا مناطق الاشتباكات خلال 72 ساعة منذ بدء الأحداث، وسط صعوبات بالغة في تأمين الاحتياجات الأساسية للنازحين من غذاء وماء ومأوى.

أما من بقي في منازلهم داخل مدينة السويداء، فيعانون من ظروف معيشية سيئة للغاية. فقد تسببت المعارك في انقطاع الخدمات الأساسية؛ حيث انقطعت المياه والكهرباء عن أجزاء واسعة من المدينة وريفها منذ مساء 14 يوليو بسبب الأضرار التي لحقت بالشبكات والبنى التحتية خلال القصف. وأفادت مصادر محلية أن التيار الكهربائي تعطل بشكل شبه كامل، ما أدى إلى انقطاع مضخات المياه وتوقف الإمدادات، تاركاً الأهالي يواجهون نقصاً حاداً في مياه الشرب.

كما تعطلت شبكات الاتصالات والإنترنت في بعض المناطق، ما زاد من عزلة السكان وصعوبة الاستغاثة وطلب المساعدة. في ظل هذه الظروف، حاولت فرق الإسعاف المحلية والدفاع المدني بذل ما في وسعها.

أعلنت منظومة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) أنها نشرت فرق طوارئ للاستجابة لنداءات الاستغاثة ضمن ما تسمح به الظروف الأمنية. وقد قامت هذه الفرق – رغم المخاطر – بإطفاء عدد من الحرائق الناجمة عن القصف في المباني والمحال، وقدّمت الإسعافات الأولية للمصابين، وساعدت في إجلاء الجرحى إلى مستشفى السويداء الوطني.

لكن المستشفى ذاته واجه ضغوطاً شديدة ونقصاً في المستلزمات.

ذكر شهود عيان أن المشفى الوطني في السويداء امتلأ بالمصابين صباح 15 يوليو، حتى أن كوادره الطبية وجهت نداءات عاجلة لوقف القتال في محيطه لضمان سلامة المرضى والجرحى. كما طالبت إدارة المستشفى الجهات المعنية في دمشق بتأمين دعم سريع من الأدوية والمعدات الطبية، مذكرةً بأن المستشفى يتبع وزارة الصحة السورية وعليها واجب إمداده بغض النظر عن الأوضاع. وبحسب مصادر طبية محلية، فإن عدد الجرحى في أيام القتال الأولى تجاوز 100 مصاب بينهم حالات خطرة، ما يفوق قدرة المشفى الوحيد في المدينة.

التأثيرات الاقتصادية والبنية التحتية

الأضرار المادية – ألحقت المعارك ضرراً كبيراً بالبنية التحتية الاقتصادية والحياتية في السويداء. فقد تعرضت العديد من المباني الحكومية والخدمية للتخريب خلال الاشتباكات. أشارت صور ومقاطع مصوّرة إلى احتراق مقرات أمنية وبعض المراكز العسكرية على أطراف المدينة جراء تبادل القصف.

وظهرت في مشاهد أخرى دبابة مدمرة ودخان يتصاعد من آليات عسكرية محترقة على الطرق المؤدية إلى السويداء، مما يدل على عنف المواجهات واستخدام الأسلحة الثقيلة. كما شوهدت سيارات مدنية مدمرة ومحترقة في الشوارع، خاصة في حي المقوس ومحيط المزرعة، نتيجة إصابتها بالرصاص أو النيران خلال المعارك【36†】.

امتدت الأضرار إلى مرافق حيوية، إذ أفيد عن تضرر شبكات الكهرباء بفعل سقوط قذائف على خطوط التوتر العالي، وكذلك تضرر شبكات المياه بسبب انفجار أنابيب رئيسية وانقطاع التغذية الكهربائية عن المضخات. ولم تسلم المرافق الصحية بدورها، حيث تضررت أجزاء من مستشفى السويداء جراء الرصاص الطائش، ما عقّد مهمة الكوادر الطبية داخله.

شلل الحياة اليومية – أدت هذه التطورات إلى تعطّل كامل للحياة الطبيعية في السويداء على مدى عدة أيام. فمنذ 15 يوليو، فرضت السلطات حظر تجول شامل جعل الشوارع خالية تماماً من المارة. أُغلقت المحال التجارية والأسواق والمدارس والمؤسسات الحكومية، وتعطلت الأعمال والأنشطة الاقتصادية بشكل شبه كلي. ذكر سكان محليون أن المدينة بدت كمدينة أشباح؛ حركة الناس توقفت باستثناءات ضئيلة لتأمين الغذاء الضروري خلال فترات الهدوء القصيرة.

الكثير من الأهالي فضلوا الاحتماء في منازلهم أو الأقبية خوفاً من الرصاص الطائش، مما أدى إلى نقص في المواد التموينية لدى بعض العائلات بسبب عدم قدرتهم على الخروج للتبضع لعدة أيام. كما انقطعت طرق المواصلات بين محافظة السويداء وريفها ومع العاصمة دمشق نتيجة الحواجز والاشتباكات عند مداخل المحافظة، فتعذر وصول الإمدادات الغذائية والوقود. وأفادت تقارير محلية أن سعر بعض السلع الأساسية المتوافرة ارتفع بشكل حاد في السوق السوداء خلال هذه الفترة القصيرة نتيجة ندرتها وصعوبة التوريد.

خسائر اقتصادية محلية – على صعيد الخسائر المادية الخاصة، تكبّد العديد من أصحاب المحال التجارية في السويداء خسائر فادحة جراء عمليات النهب والتخريب التي طالت ممتلكاتهم في خضم الفوضى الأمنية. أكد شهود عيان أن بعض المحلات تعرضت للسرقة إما من قبل مسلحين أو لصوص استغلوا غياب القانون، وتم كسر أبواب متاجر عديدة وسرقة محتوياتها من بضائع ومواد تموينية ثم إضرام النار في بعضها لإخفاء السرقة.

كما احترقت عشرات السيارات العائدة للمدنيين خلال المعارك، سواء بفعل القصف أو على أيدي مخربين، ما سيلقي بعبء اقتصادي إضافي على كاهل المواطنين المتضررين. وبشكل عام، قدّرت مصادر اقتصادية محلية أن المحافظة ستحتاج إلى مبالغ طائلة لإعادة الإعمار وإصلاح ما دُمّر من بنى تحتية وممتلكات خاصة بعد انتهاء الأزمة، الأمر الذي يزيد من معاناة السكان الذين يعانون أصلاً من أوضاع معيشية صعبة بفعل سنوات الحرب الطويلة في سوريا.

تحليل الأطراف المتورطة ودوافعها

  1. الحكومة السورية الانتقالية (قوات الجيش والأمن بقيادة أحمد الشرع):

يمثّل الطرف الأول السلطات السورية الجديدة التي تولت الحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024. يقود هذه السلطات الرئيس أحمد الشرع (وهو الاسم الحقيقي لأحد قيادات الفصائل المعارضة سابقاً) وتحظى بدعم فصائل كانت معارضة للنظام السابق. بدافع فرض هيبة الدولة وإعادة بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية، دخلت هذه القوات إلى السويداء لوقف الاقتتال الداخلي والحيلولة دون انفلات الأوضاع الأمنية.

تؤكد الحكومة الانتقالية أن دافعها الرئيسي هو حماية المدنيين ومنع تفاقم الفتنة الطائفية، وضبط السلاح المنفلت عبر جعله حصراً بيد مؤسسات الدولة. كما ترى في الأحداث اختباراً لقدرتها على بسط النظام في كافة أنحاء البلاد بعد الحرب الطويلة.

ومع ذلك، يوجه منتقدوها اتهامات لهذه القوات بأنها انحازت فعلياً إلى جانب العشائر البدوية ضد الدروز خلال التدخل، وربما بدافع الرغبة في معاقبة محافظة السويداء على موقفها السابق شبه المستقل وعدم انخراطها الكامل في جهود إسقاط الأسد.

ويُشير البعض إلى وجود عناصر متشددة ضمن تشكيلات الجيش الجديد (من بقايا فصائل إسلامية كهيئة تحرير الشام وغيرها) قد تكنّ عداءً أيديولوجياً تجاه الطائفة الدرزية، مما تسبب في ارتكاب انتهاكات بدوافع انتقامية. الحكومة الانتقالية تقع عليها مسؤولية أساسية في حماية جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم، وبالتالي فهي تُلام على أي تجاوزات صدرت عن قواتها أو بالتنسيق معها.

وقد أعلن مسؤولوها مراراً التزامهم بالمحاسبة وعدم التهاون مع “العناصر غير المنضبطة”، لكن سلوك القوات على الأرض – كما يصفه شهود عيان – يضع تساؤلات حول مدى سيطرة القيادة على وحداتها وعن درجة الانضباط العسكري لدى هذا الجيش المشكّل حديثاً.

  1. الفصائل الدرزية المحلية (مقاتلو السويداء):

يمثّل الطرف الثاني المقاتلون الدروز المحليون الذين نهضوا دفاعاً عن محافظتهم في وجه ما رأوه اعتداءات من مسلحين غرباء (العشائر البدوية وقوات الجيش القادمة من خارج المحافظة). تتنوع هذه الفصائل بين مجموعات مسلحة أهلية (مثل حركة رجال الكرامة المعروفة تاريخياً في محافظة السويداء) وشبان متطوعين انضموا بشكل عفوي للقتال لنصرة أبناء طائفتهم. دافعهم الأساسي هو حماية مجتمعهم المحلي والحفاظ على أمنه الذاتي الذي اعتادوا عليه خلال سنوات الحرب؛

فقد ظلت محافظة السويداء طوال الصراع السوري منطقة ذات خصوصية، حمتها ميليشيات محلية وحياد نسبي عن الاقتتال، ولم يسمح أبناؤها بدخول الجيش أو الفصائل المتشددة إلى مناطقهم بسهولة. بالنسبة لهؤلاء المقاتلين، جاءت التحركات الأخيرة (خطف تاجر درزي ثم اختطاف دروز آخرين) بمثابة انتهاك لكرامة الجبل استوجب رداً مسلحاً لاستعادتها. كما رأوا في دخول قوات الحكومة الانتقالية بحجة فض النزاع تهديداً لاستقلاليتهم وفرضاً لسيطرة مركزية قد يصاحبها انتقام طائفي – وهو ما ثبتت مخاوفهم منه حين بدأت تتوارد أنباء الإعدامات الميدانية والانتهاكات بحق المدنيين الدروز.

عليه، ممارسات هذه الفصائل تركزت على الدفاع ضمن مناطقهم؛ فهم اشتبكوا مع العشائر في حي المقوس دفاعاً عن مختطَفيهم، ثم مع القوات النظامية القادمة عندما تبين لهم انحيازها ضدهم.

ورغم أن بعض الزعماء الروحيين دعوا هذه الفصائل للتعاون وتسليم السلاح حفاظاً على السلم، فإن كثيراً من المقاتلين رفضوا الاستسلام دون ضمانات، معتبرين أن ذلك سيترك أهلهم عرضة لانتقام الخصوم. لا شك أن هؤلاء المقاتلين المحليين يتحملون أيضاً جزءاً من المسؤولية في تأجيج العنف، خاصة وأنهم بادروا بالتصعيد في البداية عبر هجومهم على حي البدو وتبادل عمليات الخطف. لكن دوافعهم تظل في نظر أبناء مجتمعهم دفاعية وليست عدوانية، وهم يبررون أفعالهم بأنها رد فعل على اعتداء وقع عليهم وعلى ممتلكاتهم أولاً.

  1. عشائر البدو المسلحة:

الطرف الثالث في الصراع هو مجموعات من عشائر البدو التي تقطن أطراف محافظة السويداء وريف درعا الشرقي. تاريخياً، ساد توتر بين بعض عشائر البادية وأهالي جبل الدروز على خلفية قضايا تهريب وثأر ونفوذ محلي.

في هذه الأحداث، يبدو أن بعض عشائر البدو دخلت على خط الأزمة انتقاماً لأبنائها الذين اختطفهم الدروز ورداً على ما اعتبرته اعتداء من جانب المقاتلين الدروز على حيهم. تشير التقارير إلى أن مقاتلي البدو نصبوا حواجز وقطعوا طرقاً وخطفوا مدنيين دروزاً رداً على اختطاف أفراد منهم.

ثم تصعد الأمر بهجوم عسكري منسق شنّوه فجر 14 يوليو مستهدفين قرى درزية في الريف الغربي، بمؤازرة تعزيزات وتسليح وفّرته لهم جهات في الجيش السوري جاءت من محافظة درعا المجاورة. دوافع هؤلاء البدو مزيج من الثأر العشائري والرغبة في إثبات القوة وربما أيضاً الحصول على مكاسب مادية عبر السلب والنهب كما حصل لاحقاً. ويتهمهم الدروز بأن بعضهم تحرّك بتشجيع من السلطة التي ربما رأت فيهم قوة محلية يمكن استخدامها لتطويق الفصائل الدرزية المتمرّدة.

من ناحية أخرى، قد يكون لدى بعض عشائر البدو دوافع إيديولوجية متطرفة ضد الدروز، باعتبارهم طائفة “خارج الملة” من وجهة نظر تيارات إسلامية متشددة؛ خاصة إن صحت المعلومات عن اندساس مقاتلين كانوا ينتمون سابقاً لتنظيمات جهادية ضمن صفوف هذه العشائر المهاجمة. وقد ظهر ذلك في شعارات دينية متطرفة رُدّدت خلال الهجوم (بحسب شهود محليين).

بكل الأحوال، الدور الذي لعبته عشائر البدو كان مفجّراً للصراع ومفاقماً له، إذ لولا خطفهم للمدنيين الدروز وقطعهم الطرق لما توسعت رقعة المعارك. وعليه فهم مسؤولون عن انتهاك السلم الأهلي والعيش المشترك الذي ساد بين بدو السويداء ودروزها لعقود طويلة مع تفاوتاته.

  1. إسرائيل والقوى الإقليمية:

لا يمكن إغفال الدور الإسرائيلي كطرف متورط في هذه الأحداث وإن جاء تدخله من خارج الحدود. إسرائيل كانت تراقب عن كثب ما يجري في محافظة السويداء نظراً لحساسية موقعها قرب الجولان المحتل ولوجود أقلية درزية تعتبرها إسرائيل حليفاً محتملاً. دوافع إسرائيل المعلنة لتدخلها العسكري هي حماية الدروز من مجازر قد يتعرضون لها على يد قوات يُنظر إليها في تل أبيب كقوات ذات توجه إسلامي متشدد.

وقد صرّح وزير الشتات الإسرائيلي “عميحاي شكلي” صراحة أن الشرع (الرئيس السوري) “إرهابي وقاتل وحشي” وشبّهه بحركة حماس، ما يعكس نظرة إسرائيل للسلطة الجديدة في دمشق على أنها امتداد لعدو أيديولوجي. كذلك فإن المخاوف الأمنية الإسرائيلية لعبت دوراً كبيراً؛ إذ تخشى إسرائيل أن يؤدي وجود أي قوات سورية (سواء كانت من الجيش السابق أو فصائل المعارضة السابقة) مزودة بأسلحة ثقيلة قرب حدودها إلى تهديد لأمنها.

لذا انتهجت إسرائيل سياسة ضربات استباقية لضمان بقاء المنطقة القريبة منها منزوعة السلاح. وقد تكون لدى إسرائيل أيضاً أهداف خفية مثل تعزيز نفوذها في جنوب سوريا مستغلة حالة الفراغ والصراع، وربما اختبار مدى استعداد الحكومة السورية الجديدة للتجاوب مع الخطوط الحمراء التي تضعها إسرائيل. وعلى الرغم من أن إسرائيل تبرر غاراتها بأنها لحماية الدروز، فإن هذا التدخل الخارجي يلقى تنديداً سورياً واسعاً، ويزيد تعقيد الأزمة بإدخال حسابات إقليمية عليها.

في ميزان المسؤولية، تحمل إسرائيل نصيبها من تأجيج العنف عبر تدخلها العسكري؛ فغاراتها الجوية قتلت بدورها عسكريين سوريين وأصابت ربما بعض المدنيين، وفاقمت الشعور بالتحدي لدى المقاتلين الإسلاميين المفترضين في صفوف القوات السورية، مما قد يدفعهم لمزيد من التشدد ضد الدروز بوصفهم “عملاء لإسرائيل” في نظرهم.

  1. القوى الدولية الأخرى:

إلى جانب إسرائيل، هناك دور غير مباشر لعبته قوى دولية في هذه الأزمة. الولايات المتحدة مثلاً – وإن لم تتدخل عسكرياً – إلا أنها ربما مارست ضغوطاً دبلوماسية على حكومة الشرع لاحتواء الموقف بسرعة ومنع المجازر، وفي الوقت نفسه وجهت رسائل لإسرائيل لضبط ضرباتها. بالفعل أفادت تقارير بأن واشنطن طلبت من تل أبيب وقف الهجمات مع تعهدها بالتوسط لحل سلمي. الأمم المتحدة أيضاً بادرت عبر موفديها في سوريا للوساطة بين ئالسلطات الانتقالية وزعماء محافظة السويداء. كما أن دولاً إقليمية كالأردن – بحكم الجوار – راقبت الوضع بقلق خشية تدفق لاجئين أو امتداد التوتر إلى أراضيها، ويُعتقد أنها تواصلت مع الطرفين لضمان بقاء المعارك داخل الحدود السورية.

عموماً يمكن القول إن تعدد الأطراف وتضارب أجنداتها (الحكومة الانتقالية، المقاتلون المحليون، العشائر، إسرائيل، وغيرها) حوّل أزمة السويداء إلى صراع معقد تتداخل فيه الدوافع الأمنية (فرض النظام/الدفاع الذاتي) مع السياسية (فرض نفوذ الدولة الجديدة/معارضة التدخل الخارجي) والطائفية والانتقامية، ضمن بيئة ما بعد الحرب السورية التي لا تزال هشة أمنيّاً ومفتوحة الاحتمالات.

خاتمة

على مدار أربعة أيام دامية، عاشت محافظة السويداء حالة من الحرب المصغرة عكست تحديات مرحلة “سوريا الجديدة” التي تلت سقوط النظام السابق. فقد تداخل المحلي بالوطني والإقليمي، واندلعت توترات كامنة بين المكونات الاجتماعية تحت وطأة سلاح منفلت وضعف الثقة المتبادلة.

تشير حصيلة الضحايا الضخمة – التي بلغت نحو 248 قتيلاً من جميع الأطراف خلال أقل من أسبوع – إلى مدى خطورة الموقف وانزلاقه إلى اقتتال أهلي كاد يخرج عن السيطرة. وبينما تمكنت الدولة (بمساعدة التفاهمات مع عقلاء الطائفة) من استعادة زمام المبادرة أمنياً عبر نشر قواتها وفرض حظر التجول، فإن جذور الأزمة تبقى عميقة. إذ يحتاج النسيج الاجتماعي الممزق إلى جهد حقيقي للمصالحة بين الدروز وجيرانهم البدو، وإلى إعادة بناء الثقة بين السويداء والدولة المركزية عبر محاسبة جدية للمخطئين من العناصر الحكومية لضمان عدم تكرار الانتهاكات. كذلك يتطلب الوضع اهتماماً إنسانياً عاجلاً لإغاثة الجرحى والنازحين وإعادة الخدمات الأساسية.

إن أحداث محافظة السويداء في تموز 2025 تدق ناقوس الخطر بشأن التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه السلطات الانتقالية بقيادة أحمد الشرع. فهذه السلطات التي تعهدت بحماية جميع مكونات المجتمع السوري وجدت نفسها أمام اختبار صعب في كيفية التعامل مع أقلية دينية محافظة تحصنت طويلاً عن الصراع. وسيكون لنهج الشرع وحكومته في معالجة تداعيات هذه الأزمة أثر بالغ على رسم ملامح العلاقة بين “سوريا الجديدة” وأقلياتها الدينية والعرقية. فإن نجحت الحكومة في احتواء الموقف عبر الحوار وضمان العدالة، ترسخ بذلك مفهوم دولة القانون لجميع المواطنين.

أما إذا أخفقت واستمرت عقلية الثأر والتهميش، فقد نشهد اضطرابات أخرى مستقبلاً سواء في محافظة السويداء أو غيرها من المناطق المتنوعة طائفياً. وفي المحصلة، أثبتت هذه الأحداث ضرورة التسوية السلمية والحوار الوطني كسبيل أوحد للحفاظ على ما تبقى من السلم الأهلي في سوريا، ودرء مخاطر إعادة إنتاج صراعات دامية في مرحلة يفترض أن تكون بوابة تعافي واستقرار.

المصادر:

التقارير الإخبارية والحقوقية الصادرة عن شبكة الجزيرة، ووكالة الأناضول، ووكالة فرانس برس (عبر SWI وبوابة الوسط)، ومرصد حقوق الإنسان السوري، وسي إن إن بالعربية، وقناة العربية الحدث، ومنصات محلية مثل السويداء 24 وغيرها. جميع المعلومات موثقة حسب المراجع المشار إليها نصاً.

 

 

متوسط التقييم
5 من 5 نجوم 1 أصوات.
spot_imgspot_img