web analytics
القسم العاشر

القسم العاشر تثبيت النهضة ومراكمة المكتسبات

من التأسيس إلى الاستدامة

مقدّمة

نحو تحصين التحوّل النهضوي ومنع الارتداد

بعد أن وضعت الأقسام الخمسة الأولى من مشروع “نظرية النهضة السورية ما بعد الاستبداد” الأسس الفكرية والفلسفية والبنيوية والسياسية للنهضة المنشودة، تنتقل هذه المرحلة السادسة إلى ما يمكن اعتباره مهمة التحصين التاريخي للمكتسبات وضمان ديمومة التحول الوطني، من خلال استراتيجيات مؤسسية–سيادية تعمل على نقل النهضة من طور التأسيس إلى طور الاستدامة.

فالتاريخ الحديث لسوريا، كما لتجارب شعوب أخرى، قدّم دروسًا مريرة حول هشاشة التحوّلات الكبرى حين لا تُؤسَّس على بنية متابعة وتقييم ومراجعة مستمرة، وحين تُختزل الديمقراطية بصناديق الاقتراع، أو التنمية بنسب النمو، أو السيادة بالتحرر من الاستعمار. ولهذا يأتي هذا القسم ليضع المقاربة العميقة المطلوبة لتجاوز هذه الاختزالات، من خلال بناء آليات صامدة، مرنة، ومركّبة، تضمن أن لا يتحوّل المشروع النهضوي إلى مرحلة عابرة أو موجة مؤقتة، بل إلى نظام حياة جماعي متجدد.

من لحظة التأسيس إلى منطق التثبيت

لم تعد المعضلة في سوريا هي سقوط الاستبداد أو كتابة دستور أو إجراء انتخابات. هذه كلها محطات تأسيسية ضرورية لكنها لا تكفي. فكم من شعوبٍ خرجت من الاستبداد لتعود إليه بأشكال جديدة؟ وكم من دول كتبت دساتيرًا عصرية ثم حنّت إلى القمع؟ إن الإجابة تكمن في عمق المنظومة التحصينية التي تُقام بعد التأسيس، والتي تهدف إلى:

ترسيخ ثقافة المشاركة لا فقط آليّاتها.

بناء مجتمع سياسي نشط لا نخبوي.

تحصين الوعي الجمعي ضد التلاعب والهشاشة.

تحويل السياسات العامة إلى أنظمة استدامة لا مجرّد خطط مرحلية.

ودمج الشتات والمحيط الإقليمي في دائرة التأثير لا فقط المتابعة.

نحو هندسة الاستدامة النهضوية

يتكوّن هذا القسم من خمسة أبواب مترابطة، تعالج الاستدامة من زوايا متعددة:

استدامة النظام السياسي الديمقراطي عبر التحصين القانوني والمؤسساتي للتداول والمحاسبة والمشاركة.

حماية البنية الاقتصادية والاجتماعية من النكوص والتشظي، عبر العدالة في التوزيع، وتوازن التنمية، واستقرار البنى الإنتاجية.

الوعي الجمعي والهوية المتجددة بما يضمن بناء حصانة ثقافية وتربوية ضد أي نكوص أو اغتراب.

الآليات المؤسسية للمتابعة والتصحيح التي تُحوّل النهضة من فعل ثوري إلى ثقافة مؤسساتية.

توسيع الأثر النهضوي والتفاعل الدولي لضمان أن تتحوّل سوريا الجديدة إلى نموذج إلهام لا استثناء هامشي.

مشروع الاستدامة: من الخوف من السقوط إلى الأمل في التوسّع

يُرسي هذا القسم القناعة بأن الدولة السورية ما بعد الاستبداد لا تُقاس فقط بقدرتها على التخلّص من الماضي، بل بقدرتها على عدم تكراره، وبنيتها التي تسمح لها بالتجدد دون نكوص، والنقد دون انهيار، والاتساع دون انفراط.

فالديمقراطية لا تكتمل في النصوص، والتنمية لا تُقاس بالناتج المحلي فقط، والمواطنة لا تنضج في هويات منغلقة، بل في منظومة متكاملة من الاستباق والتحصين والتجديد والانفتاح والاستمرارية.

وعليه، فإن هذا القسم ليس خاتمة، بل هو بداية التحوّل نحو دولة قابلة للحياة والتجدد، تنجو من دورة الخراب، وتتحوّل إلى مرجعية مستقبلية لتجارب شعوب أخرى، كما تحوّلت كوريا من الاستبداد إلى الريادة، ورواندا من المجازر إلى التعافي، وتشيلي من الديكتاتورية إلى التماسك المؤسسي.

 

القسم العاشر - تثبيت النهضة ومراكمة المكتسبات