القسم العاشر – الباب الثالث
الباب الثالث الوعي الجمعي والهوية المتجددة
مقدمة:
لا تكتمل استدامة مشروع النهضة السوري من خلال إصلاح المؤسسات وحدها، ولا من خلال ضبط الهياكل السياسية أو حماية البنية الاقتصادية والاجتماعية، ما لم يُعاد تشكيل ما هو أعمق: الوعي الجمعي والهوية الوطنية.
فالتحولات السياسية قد تُفرض بالقوة أو تُنظَّم بالقوانين،
أما التحولات الثقافية والهوياتية فلا تُفرض ولا تُستورد، بل تُبنى في الوجدان، وتُزرع في التعليم، وتُرسَّخ في الذاكرة، وتُصاغ في السرديات الجماعية.
لقد عانت سوريا، خلال عقود الاستبداد، من تفكيك متعمّد للوعي الوطني، حيث أُفرغت مفاهيم المواطنة والانتماء من معناها، وحلّ مكانها خطاب شعاراتي يمجّد الحاكم ويشوّه الحقيقة،
وترافق ذلك مع تفخيخ الهويّة الجامعة:
▪ فإما بهوية قومية مغلقة لا ترى التنوع،
▪ أو بهويات فرعية طائفية وعرقية جرى توظيفها سياسيًا لتأبيد الانقسام.
ثم جاءت الحرب، فدفعت بالانتماءات الضيقة إلى الواجهة، وأعادت إنتاج الخوف، والغُربة، والتمترس داخل الجماعة المغلقة على حساب فكرة الوطن المشترك.
في مثل هذا السياق، لا يمكن بناء سوريا جديدة دون مشروع متكامل يُعيد إنتاج الوعي الجمعي بوصفه نقطة الانطلاق الأخلاقي والفكري والاجتماعي لبناء الدولة، ويعيد صياغة هوية وطنية مرنة، متجددة، تستوعب التعدد وتوحّد المعنى، وتقوم على الحقوق لا على الامتيازات، وعلى الذاكرة النقدية لا على السرديات التمجيدية.
هذا الباب من مشروع النهضة لا يُعالج الهوية كشعار، بل يؤسس لها كمرجعية سيادية للفهم والانتماء والعمل،
ويضع تصورًا للانتقال من حالة التشظي والقطيعة، إلى ذاكرة وطنية جامعة، وهوية وظيفية قادرة على التفاعل مع التنوع والتاريخ والمستقبل معًا.
القسم العاشر - فصول الباب الثالث
الوعي الجمعي والهوية المتجددة