web analytics
القسم العاشر – الباب الخامس

الفصل الثامن عشر الدبلوماسية النهضوية

من رد الفعل إلى المبادرة

إعادة صياغة السياسة الخارجية السورية كذراع سيادية مبنية على القيم والمصالح المشتركة والرؤية الوطنية المستقلة

 أولًا: الإشكالية – من التبعية إلى الغياب

عانت السياسة الخارجية السورية تاريخيًا من ثلاثة أمراض مزمنة:

الارتهان للمحاور الإقليمية والدولية تحت شعارات المقاومة أو القومية أو الأمن.

الطابع الشخصي أو الأمني للقرار الدبلوماسي، ما حوّل العلاقات الدولية إلى ملفات مغلقة خارج الحساب المؤسسي.

غياب أي رؤية استراتيجية أو قيمية، تجعل من سوريا فاعلًا مبادرًا، لا مجرّد متلقٍ أو تابع.

ومع اشتداد الحرب والانهيار الداخلي، تلاشت الدبلوماسية السورية تمامًا، وتحولت الدولة إلى ساحة تتنازعها مصالح الآخرين دون قدرة على التمثيل أو التأثير.

 ثانيًا: التحديات الكبرى أمام إعادة بناء الدبلوماسية السورية

فقدان الشرعية التمثيلية وتشوّه صورة سوريا في الساحة الدولية.

اختزال العمل الدبلوماسي في الملفات الأمنية أو الأزمات الطارئة.

ضعف الكوادر وغياب المدرسة الدبلوماسية الوطنية المؤهلة.

استمرار التبعية الاقتصادية والعسكرية والسياسية لقوى خارجية.

تشظي القرار الخارجي وتعدّد الجهات المتحدثة باسم سوريا.

 ثالثًا: الرؤية الجديدة – الدبلوماسية النهضوية كأداة للسيادة وبناء الشراكات

في مشروع النهضة السورية، لا تُبنى السياسة الخارجية كردّ فعل على الضغوط، بل كمكوّن سيادي نابع من الداخل، يُترجم القيم الوطنية إلى مواقف، ويخدم المصالح دون تبعية، ويؤسس علاقات على قاعدة الاحترام المتبادل، لا الاصطفاف القسري.

وتقوم هذه الرؤية على:

مركزية المشروع الداخلي كمرجعية لأي تحرك خارجي.

ربط السياسة الخارجية بالنهج القيمي (العدالة، التحرر، التعدد، الكرامة).

تحويل السفارات من بؤر علاقات عامة إلى مراكز إشعاع سياسي واقتصادي وثقافي.

بناء سياسة خارجية ذات طابع استباقي، شراكي، طويل الأمد.

 رابعًا: خطوات العمل لإعادة تأسيس الدبلوماسية السورية النهضوية

1. صياغة العقيدة الدبلوماسية السورية الجديدة

إعلان مبدأ “السيادة المتوازنة” كمحدد أساسي للعلاقات الخارجية.

ربط السياسة الخارجية بالسياسات العامة الوطنية ومؤشرات التنمية.

تبنّي المبادرة كأداة استراتيجية، لا الانتظار أو التأقلم فقط.

2. إعادة هيكلة وزارة الخارجية ومؤسسات التمثيل الخارجي

تحويل الوزارة إلى جهاز استراتيجي متكامل، يُدار بمنهجية مؤسسية لا فردية.

إنشاء وحدات تحليل سياسي واقتصادي وثقافي داخل الوزارة.

فتح أبواب الانخراط الخارجي للخبرات السورية من الشتات والقطاع الأكاديمي والمجتمعي.

3. إطلاق الدبلوماسية الشعبية واللامركزية

تمكين المحافظات والبلديات من بناء علاقات خارجية تنموية مستقلة ضمن سياسات الدولة.

دعم المبادرات المدنية والدينية والثقافية في التواصل الخارجي بوصفها أدوات نفوذ ناعمة.

فتح المجال أمام الشتات ليكونوا سفراء لقيم النهضة والمصالح الوطنية في دول الإقامة.

4. بناء شراكات استراتيجية تقوم على المصالح المشتركة لا الولاء

الخروج من محاور النفوذ الإقليمي، والانفتاح على منظومات متعددة دون استقطاب.

التركيز على الشراكات الاقتصادية والبحثية والتعليمية والبيئية بدل التبعية العسكرية.

اعتماد التوازن الإيجابي في التعامل مع القوى الدولية الكبرى والمتوسطة.

5. تحويل البعثات الخارجية إلى أدوات تنفيذ للرؤية النهضوية

إعداد دبلوماسيين متمكنين معرفيًا ولغويًا وثقافيًا، يحملون المشروع الوطني لا الشعارات.

إعادة توزيع السفارات والقنصليات بناء على المصالح الاستراتيجية لا فقط الاعتبارات السياسية.

إلزام البعثات بمؤشرات أداء قابلة للقياس في مجالات التأثير والتمثيل والتمويل وجذب الشراكات.

 خامسًا: الخطة التنفيذية المرحلية

  • المرحلة الأولى (أشهر 0–12)

إصدار الوثيقة التأسيسية للسياسة الخارجية السورية الجديدة.

إطلاق ورشة إصلاح مؤسسي داخل وزارة الخارجية ومجلس العلاقات الدولية.

تعيين ممثلين خاصين للمشروع النهضوي في المحافل الفكرية والثقافية الدولية.

  • المرحلة الثانية (سنة 1–3)

افتتاح بعثات دبلوماسية جديدة في الدول ذات الثقل التنموي أو الثقافي أو التكنولوجي.

تنظيم أول مؤتمر وطني–دولي بعنوان: “سوريا الجديدة في النظام العالمي المتغير”.

بدء تفعيل الشراكات الثنائية مع الدول المستعدة للتعاون غير المشروط سياسيًا.

  • المرحلة الثالثة (ما بعد 3 سنوات)

اعتماد تقارير سنوية علنية عن السياسة الخارجية تُناقش في البرلمان وتُقيَّم مجتمعيًا.

بناء منصات رقمية لربط المواطنين والشتات بالعمل الخارجي السوري.

مأسسة الدبلوماسية التنموية والعلمية والثقافية كأذرع موازية للسياسة الرسمية.

 سادسًا: الدبلوماسية كمرآة للنهضة وصوت للكرامة الوطنية

الدبلوماسية السورية الجديدة ليست مجرد واجهة خارجية، بل انعكاس حيّ لما نحن عليه في الداخل.
وإذا أردنا احترامًا دوليًا، فعلينا بناء احترام ذاتي أولًا، وإذا أردنا علاقات متوازنة، فعلينا امتلاك مشروع واضح يُعرّف من نحن، وماذا نريد، وما الذي نقدّمه للعالم.

وهكذا، تصبح الدبلوماسية السورية جزءًا من بناء المعنى، لا فقط من ترتيب اللقاءات أو تبادل الاعترافات.