web analytics
القسم الثاني عشر – الباب الرابع

الفصل الواحد والعشرون المبادرة السورية لإصلاح النظام العربي المشترك

قيادة جماعية لمشروع نهضوي

تمهيد:

منذ تأسيس جامعة الدول العربية في أربعينيات القرن الماضي، لم تتجاوز هذه المنظومة حدود التنسيق الشكلي، وظلّت عاجزة عن مواجهة التحديات الكبرى التي عصفت بالعالم العربي، من نكبة فلسطين، إلى حروب الانقلابات، إلى الهزائم الاقتصادية والانقسامات السياسية. ولم يكن العجز ناتجًا عن نقص في الشعارات، بل عن غياب الإرادة الإصلاحية، وتغوّل السياسات القُطرية، واستفراد بعض الأنظمة بالقرار الجماعي لحماية سلطاتها لا مصالح شعوبها.

في الدولة السورية الجديدة، لا تُطرَح المسألة العربية كشأن خارجي، بل كامتداد عضوي لمشروع وطني يريد الانعتاق من الاستبداد والاستتباع، ويرى في إصلاح النظام العربي المشترك ضرورة لحماية سيادة الدول، واستعادة دور العرب في عالم يتشكّل دونهم.

ومن هنا، تتقدم سوريا الجديدة بمبادرة شاملة لإصلاح النظام العربي المشترك، لا كدولة تبحث عن دور، بل كفاعل يريد أن يؤسّس مع غيره قيادة جماعية لمشروع نهضوي عربي، مستقل، متعدّد، سيادي.

ويُعالج هذا الفصل هذه المبادرة من خلال ستة محاور تأسيسية:

أولًا: من أزمة النظام العربي إلى ضرورة الإصلاح

بات من المسلَّم به أن النظام العربي الحالي يعاني من أعطاب هيكلية أبرزها:

غياب آليات إلزامية لتنفيذ القرارات.

ارتهان العمل العربي المشترك لأمزجة الحكومات.

إخفاق الجامعة في لعب أي دور في النزاعات الكبرى (سوريا، اليمن، ليبيا، السودان).

تهميش الشعوب العربية عن مسار القرار العربي.

لذلك، لا يمكن الاكتفاء بـ”عودة سوريا” كإجراء شكلي، بل يجب أن تُقترن العودة بمشروع لإعادة تأسيس آليات القرار العربي على قواعد جديدة.

ثانيًا: المبادئ الحاكمة للمبادرة السورية

تستند المبادرة السورية لإصلاح النظام العربي إلى أربعة مبادئ غير قابلة للمساومة:

الندية السياسية: لا وصاية ولا تهميش، لكل دولة الحق في القرار، ولكل شعب الحق في التمثيل.

السيادة المشتركة: احترام سيادة كل دولة، وتحييد العمل المشترك عن تدخل أي طرف في شؤون الآخر.

العدالة المؤسسية: إعادة توزيع التأثير داخل الجامعة العربية لتفادي احتكار القرار من قبل دول بعينها.

التمثيل الشعبي غير المباشر: عبر إشراك المجتمع المدني العربي، والخبراء المستقلين، والمؤسسات الأكاديمية في صياغة السياسات العامة.

ثالثًا: البنية المؤسسية المقترحة للمنظومة العربية الجديدة

تتضمن المبادرة السورية إعادة هيكلة المنظومة على ثلاث مستويات:

المستوى التشريعي – برلمان عربي بسلطة استشارية ملزمة تدريجيًا

يضم نوابًا منتخبين أو معيّنين من البرلمانات الوطنية.

يُعطى صلاحيات استشارية ملزمة تدريجية في مجالات: حقوق الإنسان، السياسات البيئية، النزاعات العربية، التنمية المستدامة.

المستوى التنفيذي – مجلس قادة ومجلس وزراء دائم بصلاحيات فعلية

يجتمع بشكل دوري لا يُعطّل بالفيتو.

تُؤسس سكرتارية تنفيذية مستقلة تُراقب تنفيذ القرارات على أرض الواقع.

المستوى القضائي – محكمة عربية لفض النزاعات الداخلية بين الدول

تُفعل عبر آلية ملزمة للطرفين.

تختص في قضايا الحدود، السيادة، التدخل، والاتفاقيات الإقليمية.

رابعًا: برنامج إصلاحي عملي يمتد على عشر سنوات

تطرح سوريا الجديدة خارطة طريق زمنية لإصلاح النظام العربي، تتضمن:

السنة الأولى: حوار رسمي وغير رسمي مفتوح بين الدول حول بنود المبادرة.

السنوات 2–3: إعداد ميثاق عربي محدث يُعرض على الاستفتاء أو البرلمانات الوطنية.

السنوات 4–6: تنفيذ المرحلة الأولى من الهيكلة الجديدة، وتفعيل المجلسين التنفيذي والتشريعي.

السنوات 7–10: تقييم النتائج، وتوسيع الصلاحيات، وربط المنظومة العربية بالمجتمع المدني العربي والنقابات والمؤسسات الجامعية.

خامسًا: تحييد الجامعة العربية عن الصراعات الإقليمية والدولية

تُطالب المبادرة السورية بإقرار “ميثاق حياد سياسي” للجامعة العربية يتضمن:

منع الجامعة من التورط في صراعات بالوكالة.

منع أي دولة من استخدام الجامعة لتصفية حساباتها الإقليمية.

تأسيس لجنة عربية مستقلة لمراقبة حياد المؤسسة في كل الملفات السياسية.

سادسًا: إعادة إحياء الرؤية النهضوية العربية في مواجهة التفكك القومي

ترى المبادرة السورية أن الإصلاح لا يهدف فقط إلى الأداء المؤسسي، بل إلى استعادة المعنى:

معنى العروبة الجامعة، غير المؤدلجة، غير الفوقية.

معنى التضامن الفعلي لا الخطابي.

ومعنى المشروع العربي النهضوي الذي يؤسس للاستقلال، والتنمية، والتحرر من المحاور الخارجية.

وتقدّم سوريا نفسها لا كمركزية جديدة، بل كأحد رواد مشروع جماعي تتوزع قيادته على الجميع، دون إقصاء أو استئثار.

خاتمة الفصل:

لا تُطرح هذه المبادرة من موقع المظلومية،
ولا من موقع التفوق،
بل من موقع الدولة العائدة إلى أهلها، والمشروع الباحث عن شركائه،
والأمة التي أنهكها التشرذم وتستحق أن تُعيد تعريف نفسها.

وفي هذا الطرح،
لا تُطلب القيادة،
بل تُعرض الشراكة،
ولا يُقترح إصلاح النظام العربي من منطلق المعادلة القديمة،

بل من منطلق دولة سيادية خرجت من جحيم الاستبداد والحرب، وتريد أن تعود للعرب بشرف، وتنهض معهم بنديّة