web analytics
الملاحق التنفيذية الخاصة بالقسم الثاني عشر

الملحق الثاني خريطة القواعد العسكرية الأجنبية

تحليل النفوذ، التوزيع، والأهداف

( تفكيك جيوعسكري معمّق، واستراتيجيات متكاملة لاستعادة السيطرة السيادية)

أولًا: مدخل تأسيسي – من الاحتلال الصريح إلى النفوذ المستتر

منذ لحظة الانهيار الأول للسلطة المركزية، تحوّلت الأرض السورية إلى حقل تجارب عسكرية مفتوح، دخلته عشرات القواعد الأجنبية التابعة لدول كبرى وقوى إقليمية، بعضها بموجب دعوات رسمية فاقدة للشرعية، وبعضها عبر فرض الأمر الواقع بالقوة.

لم تعد الجيوش الأجنبية في سوريا استثناءً ظرفيًا، بل أصبحت جزءًا بنيويًا من المعادلة السياسية والعسكرية، وباتت القواعد العسكرية:

تمثّل حدود نفوذ لقوى خارجية،

وتفرض مناطق فصل وتشظي،

وتُنتج موازنات ردع تمنع قيام دولة واحدة،

وتُستخدم في إدارة مصالح لا علاقة لها بسوريا.

وهذا الحضور لا يُقاس فقط بعدد الجنود أو القطعات، بل بما يتفرّع عنه من تحالفات محلية، شبكات أمنية، تحكّم بالثروات، وشرعنة لمشاريع احتلال ناعم.

إن دراسة هذه القواعد ليست مسحًا جغرافيًا فحسب، بل تفكيكًا للهيمنة المركّبة التي تنتجها، وتأسيسًا لرؤية استراتيجية لاستعادتها ضمن مشروع سيادي متكامل.

ثانيًا: التصنيف الاستراتيجي للقواعد حسب الجهة المسيطرة

أ. القواعد الأمريكية – السيطرة من فوق النفط وتحت سقف الردع

المواقع الأساسية:

التنف (مثلث الحدود مع الأردن والعراق) – قاعدة متقدمة للمراقبة والإعاقة.

الرميلان، العمر، كونيكو – تمركزات في مناطق النفط والغاز شرق الفرات.

قواعد لوجستية متنقلة داخل دير الزور والحسكة.

الوظائف:

منع تمدد إيران باتجاه العراق–سوريا–لبنان.

تمكين “قسد” كذراع أمنية غير وطنية.

السيطرة على موارد الطاقة كأداة تفاوض وضغط سياسي.

الخصائص:

صغيرة الحجم، عالية التقنية، متصلة بشبكات استخباراتية.

تعمل بدون غطاء قانوني دولي، وتُجدد تموضعها باستمرار.

ب. القواعد الروسية – البقاء الطويل عبر البحر والجو والسيطرة الرمزية

المواقع الأساسية:

قاعدة حميميم الجوية (اللاذقية) – مقر القيادة والسيطرة الروسية.

قاعدة طرطوس البحرية – القاعدة الروسية الوحيدة على البحر المتوسط.

قواعد في تدمر ومحيط دمشق ضمن مواقع قوات النظام.

الوظائف:

حماية النظام القديم بوصفه “الوكيل المشروع” للوجود الروسي.

فرض توازن مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

تأمين عقود طويلة الأمد في البنى التحتية والطاقة.

الخصائص:

تملك شرعية قانونية صادرة عن اتفاقات طويلة الأمد وقعتها سلطة فاقدة للشرعية الشعبية.

تتحرك في الميدان بصلاحيات تتجاوز حتى مؤسسات النظام.

ج. القواعد الإيرانية والميليشيوية – الانتشار داخل العمق الطائفي والتجاري

المواقع الأساسية:

جنوب دمشق، محيط السيدة زينب، البوكمال، تدمر، ريف حلب الجنوبي.

نقاط انتشار غير معلنة داخل القنيطرة ودرعا، وداخل مواقع الجيش.

الوظائف:

تأمين طريق بري من طهران إلى بيروت.

بناء شبكة ولاء مذهبي–عسكري طويلة الأمد.

تخزين ونقل الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.

الخصائص:

لا تتبع قواعد عسكرية نظامية، بل تعتمد على الدمج بالمجتمع والجيش.

تُدار عبر الحرس الثوري، والميليشيات العراقية، وحزب الله اللبناني.

د. القواعد التركية – احتلال مباشر بشعارات أمنية

المواقع الأساسية:

عفرين، الباب، إعزاز، رأس العين، تل أبيض، جرابلس.

نقاط تمركز على طول الشريط الحدودي مع شمال إدلب وشمال الرقة.

الوظائف:

إنشاء منطقة نفوذ دائم على شكل “حزام آمن” يحاكي النموذج القبرصي.

منع التواصل بين المكوّن الكردي السوري وتركيا.

تسكين فصائل سورية موالية لأنقرة كقوة بديلة.

الخصائص:

بناء إدارات محلية تابعة لأنقرة (تعليم، شرطة، خدمات).

دعم عمليات تتريك ممنهجة داخل البنية الإدارية والثقافية.

ثالثًا: النتائج الميدانية والسياسية لانتشار هذه القواعد

  1. تفتيت وحدة المجال السيادي

أصبح لكل قوة أجنبية منطقة نفوذ مغلقة.

تشكّلت “حدود جديدة” de facto داخل الجغرافيا السورية.

  1. منع بناء جيش وطني موحّد

لكل قوة شريك محلي مسلح يُعيق المركزية.

أي مشروع لإعادة توحيد القوات يُواجه بالرفض الخارجي.

  1. إعاقة أي خطة إنقاذ اقتصادي

موارد الطاقة والزراعة والمعابر الحيوية تقع تحت السيطرة الأجنبية.

المشاريع التنموية لا يمكن تنفيذها في بيئة غير سيادية.

  1. تشويه معنى السيادة والتمثيل

أصبح الصراع على من يحمي الأرض لا من يُمثّلها.

تُمارس السلطة داخل بعض المناطق من قبل جيوش أجنبية أو أدواتها، لا من قبل مؤسسات وطنية.

رابعًا: الاستراتيجية السيادية لتفكيك القواعد العسكرية الأجنبية

أ. التحصين القانوني

إعلان دستوري يُبطل شرعية كل اتفاقات الاحتلال الموقّعة دون تفويض شعبي.

إعداد ملف قانوني دولي يُصنّف كل القواعد غير الأممية كخرق لمبدأ سيادة الدولة.

ب. جدولة الانسحاب وفق معادلة القوة والمصالح

فتح مسارات تفاوض مشروطة لا “مكرمات”:

مع روسيا: انسحاب مقابل عقود اقتصادية طويلة الأمد تحت الرقابة الوطنية.

مع أمريكا: انسحاب مقابل ترتيبات محاربة الإرهاب وعودة المؤسسات الرسمية شرق الفرات.

مع تركيا: انسحاب مقابل ضمان أمن الحدود ضمن شراكة مراقبة محلية.

ج. تفكيك الوجود الإيراني عبر نزع الوظيفة والبيئة

تجفيف شبكات التمويل.

حلّ الميليشيات الموازية.

عزل النفوذ العقائدي عبر استقلال المؤسسة الدينية والتعليمية.

د. بناء جيش وطني يُعيد فرض الوجود على الجغرافيا

بدون جيش سيادي موحد، كل تفاوض هش، وكل انسحاب قابل للعكس.

خاتمة الملحق:

إن القواعد العسكرية الأجنبية في سوريا ليست مجرد “وجود ميداني”، بل ترميز واقعي لتآكل السيادة.

وهي تعبير عن فشل الدولة في حماية أرضها، وفشل السلطة في تمثيل مجتمعها، وتحويل سوريا إلى مساحة تفاوض بين الآخرين لا على يدها بل فوق رقبتها.

لكن في مشروع الدولة الجديدة،
لا يُعاد طرد القواعد بالشعارات،
ولا بالإذعان،
بل بتفكيك بنيتها السياسية، وتجريدها من وظيفتها المحلية، واستعادة التوازن بالقانون، والقوة، والمبادرة.

فالسيادة لا تُستعاد برفع العلم فقط،
بل باستعادة الأرض والمعنى… في آنٍ معًا.