web analytics
القسم الثالث عشر – الباب الثالث

الفصل الخامس عشر سياسات الفئات الهشة

تمكين ذوي الاحتياجات والضحايا والمغيبين

مقدمة تمهيدية

الدولة الحقيقية تُقاس لا فقط بما تمنحه للأقوياء، بل بكيف تعامل من لا يملكون القوة.

وفي سوريا، وعلى امتداد عقود، كانت الفئات الهشة — ذوو الاحتياجات الخاصة، الضحايا المدنيون، المعتقلون السابقون، النساء المعيلات، الأطفال بلا سند، المفقودون والمغيبون — خارج الحسابات الفعلية للدولة، أو مجرد أدوات استثمار سياسي وخيري موسمي.

وحين جاءت الحرب، انفجرت معاناة هذه الفئات أضعافًا مضاعفة:

عشرات آلاف مبتوري الأطراف،

وملايين الأطفال المحرومين من الرعاية،

وأمهات فقدن كل شيء،

وأجساد أنهكها السجن أو القصف أو الصمت،

وحيوات تنتظر أن يُعترف بها.

في مشروع النهضة، لا تُصاغ السياسة الاجتماعية كمنظومة رعاية فوقية، بل كموقف أخلاقي–سياسي واضح:

أن الدولة السيادية لا تهمّش أحدًا، وأن العدالة تبدأ من الأطراف، لا من المركز، وأن إعادة بناء سوريا لا تكتمل إلا إذا أُعيد الاعتبار لمن كُسِروا فيها.

أولًا: توصيف واقع الفئات الهشة في سوريا

ذوو الإعاقة الجسدية والنفسية:

نتيجة القصف، التعذيب، أو الولادة في ظروف صحية سيئة.

يعانون من تهميش كامل في التعليم، والعمل، والتنقل، والرعاية.

الضحايا المدنيون وأسر الشهداء والمفقودين:

أُفرغت معاناتهم من مضمونها، وصاروا أرقامًا أو أدوات دعاية.

لم يُنصَفوا، لا نفسيًا، ولا قانونيًا، ولا ماديًا.

النساء المهمشات والمعيلات والمنكوبات:

يُواجهن عبء الإعالة والانتهاك الاجتماعي والتمييز القانوني معًا.

الأطفال فاقدو الرعاية أو الهُوية:

في المخيمات، السجون، الشوارع، أو الأُسر المفككة.

عرضة للتسرب، الانحراف، أو الانهيار النفسي التام.

المعتقلون الناجون والمغيبون قسرًا:

يُنكر وجودهم، أو تُطمَس آثارهم، أو يُمنعون من التوظيف أو الاندماج.

ثانيًا: أهداف السياسة الخاصة بالفئات الهشة

تحقيق العدالة التعويضية والاعتراف الرمزي والمادي بالفئات المتضررة.

دمج ذوي الاحتياجات في كل مفاصل الحياة العامة، من دون منّة أو شفقة.

تمكين النساء الهشات بوصفهن ركيزة اجتماعية لا عبئًا.

بناء نظام رعاية مجتمعية–مؤسسية للأطفال والأيتام والمحرومين من الأسر.

إعادة تأهيل الناجين والمعتقلين نفسيًا واجتماعيًا، وضمان اندماجهم الكامل.

ثالثًا: المبادرات التنفيذية المقترحة

تأسيس “الهيئة الوطنية لحقوق الفئات المتضررة والمُهمّشة

هيئة مستقلة تُعنى بجمع البيانات، وتسجيل الحالات، ومتابعة الانتهاكات، وإعداد الخطط المتخصصة والدائمة.

إقرار “قانون العدالة التعويضية والرعاية الشاملة

يتضمن تعويضًا ماديًا ومعنويًا، ومعاشًا دائمًا، وتكريمًا قانونيًا لضحايا العنف والاعتقال والتعذيب والتهجير القسري.

تطبيق “سياسة الدمج الشامل لذوي الإعاقة

فرض التكييف العمراني والتعليمي والإداري، وتوظيفهم بنسبة إلزامية في القطاع العام، ودعم مشاريعهم الخاصة.

إطلاق برنامج “سوريا ترعى أبناءها

منظومة وطنية للرعاية البديلة للأطفال اليتامى أو فاقدي الأسرة، بالتعاون مع المجتمع المدني، وبإشراف قضائي–نفسي دائم.

تأسيس مراكز تأهيل نفسي واندماج اجتماعي للمعتقلين السابقين

مع تأهيل مهني، ومرافقة قانونية، وتثبيت كامل للحقوق الوظيفية والمدنية.

دعم النساء المعيلات ببرامج تمكين حقيقية

تشمل التدريب، التمويل الصغير، الحماية من العنف الأسري، وتطوير التشريعات الخاصة بالوصاية والضمان الاجتماعي.

نشر خطاب وطني جديد حول الفئات الهشة

لا يُعزز الشفقة ولا الاستعلاء، بل يُكرّس المساواة والتمكين وشرعية المشاركة الكاملة في الوطن.

رابعًا: التحديات النفسية والاجتماعية والمؤسسية

ثقافة اجتماعية تمييزية أو متعالية تجاه “الضعفاء.

ضعف الإرادة السياسية التاريخي في الاعتراف بالفئات المُقصاة.

تفكك الروابط المجتمعية الطبيعية (العائلة، الجيرة، التضامن الأهلي).

انهيار المؤسسات المعنية أساسًا بالرعاية الاجتماعية، وتحولها إلى أجهزة رقابية أو فاسدة.

خامسًا: الإنسان الهش هو قلب السيادة العادلة

في مشروع النهضة، لا تُقاس الدولة بعدد أبراجها، بل بعدد الأرواح التي أنقذتها، والكرامات التي حفظتها، والعدالة التي أعادتها لمن ظنوا أنها لن تأتي.
الفئات الهشة ليست عبئًا، بل اختبارًا للمشروع الأخلاقي والسياسي للدولة.
ومن لم يصغِ لأنين المُقصين، لن يعرف كيف يُدير صوت الأكثرية.

خاتمة الفصل

لا يُبنى الوطن على القوة وحدها، بل على العدالة.

ولا تُستعاد سوريا ما لم يُستعد حق من سُجن وعُذّب، من بُترت ساقه، من نام في خيمة، من كبر في دار أيتام، أو من أُبعد لأنه كان ضعيفًا في وطنٍ لا يعرف إلا القوة.

في مشروع النهضة، نُعيد بناء الدولة انطلاقًا من هؤلاء، لأنهم البداية الصحيحة لكل شيء جديد.