القسم الرابع عشر – الباب الثاني
الباب الثاني التقييم الأخلاقي والنهضوي للمشروع
مقدمة
حين تنتقل الدولة من الهدم إلى البناء، ومن الرد على الخراب إلى صناعة المعنى، تصبح الأخلاق جزءًا لا ينفصل عن هندسة السياسات، وتتحوّل رمزية الفعل العام إلى مكون أساسي من مكونات الشرعية. من هنا، لا يُكتفى في مشروع النهضة بقياس الأداء بالمؤشرات الإدارية أو النتائج التقنية فقط، بل يُنظر إلى المشروع بوصفه فعلًا إنسانيًا، يحمل في كل تفصيل منه بعدًا قيميًا، ويتحمّل مسؤولية أخلاقية أمام الشعب والتاريخ والضمير العام.
هذا الباب يُعيد تعريف التقييم، فلا يراه محصورًا في الجداول والتقارير، بل يشمل مراجعة أخلاقية عميقة لسلوك السلطة، لنواياها، لنتائج قراراتها على الفئات الأضعف، وللصورة التي تبنيها عن ذاتها في المخيال العام. إذ لا قيمة لنجاح تنفيذي يُبنى على إذلال الناس، ولا فائدة من مشروع تنموي يُجرّد الدولة من المعنى، ويحوّلها إلى آلة بلا روح.
إن الأخلاق هنا ليست موعظة، بل بوصلة سياسية. وهي ما يُميّز بين دولة عادلة ودولة ناجحة فقط، بين نهضة حقيقية ونهضة مشوهة. ولهذا، يُعالج هذا الباب المحاور التي تُعيد تفعيل الوازع الأخلاقي في الحكم، وتُقيم شرعية الدولة لا فقط بناءً على ما تنجز، بل كيف تنجزه، ولماذا، وبأي أثر رمزي على الكرامة الوطنية والفردية.
كما يتناول هذا الباب فكرة “القيادة الأخلاقية”، لا بوصفها كاريزما عاطفية، بل التزامًا بنمط حكم قائم على احترام الناس، والاستماع لهم، والقبول بمراجعتهم. وهو ما يعكس روح مشروع النهضة في أعمق تمثلاته: أن الإنسان هو الغاية، وأن كل سلطة لا تخضع لتقييم أخلاقي، تُحوّل الدولة من أداة إنقاذ إلى خطر مستتر.