web analytics
القسم الخامس عشر – الباب الثالث

الفصل الرابع عشر التوصيات للمجتمع المدني والمبادرات المحلية

مقدمة الفصل

منذ انكسار الوطن تحت آلة الاستبداد والحرب، تَحوّل ملايين السوريين إلى شتات واسع، ممتدّ من المخيمات إلى الجامعات، من اللاجئين إلى المستثمرين، ومن الضحايا إلى الفاعلين. ورغم هذا التمزّق الجغرافي والاجتماعي، فإن ما لا ينبغي أن يُمحى هو الإحساس بالانتماء، والحق في الشراكة، والقدرة على التأثير في مصير البلاد.

هذا الفصل لا يخاطب الشتات بوصفه جمهورًا ينتظر العودة، بل كجزء عضوي من الحاضر والمستقبل السوري، يملك ما لا تملكه السلطة: حرية أكبر، ومساحة أوسع للحركة، وإمكانات فكرية، علمية، ومادية قادرة على المساهمة في بناء النهضة.

أولًا: الحفاظ على الهوية والانتماء رغم المسافة

  • لا تسمحوا للزمن أن يقطع الحبل بينكم وبين سوريا: الهوية ليست مكانًا فقط، بل وعيًا وانحيازًا دائمًا.
  • انقلوا الرواية كما هي، لا كما يُراد تسويقها: واجهوا الخطابات النمطية التي تختزل السوريين في صورة الضحية أو المتسوّل.
  • أسّسوا مبادرات ثقافية وتربوية لأبنائكم تحميهم من الاغتراب السياسي واللغوي والوجداني؛ فالمعركة الأخطر ليست في القتل، بل في النسيان.
  • قاوموا محاولات تجنيد الشتات في مشاريع الدول الأجنبية؛ أنتم سوريون أوّلًا، لا أدوات صراع.

ثانيًا: إعادة تموقع الشتات كفاعل سياسي واستراتيجي

  • شكّلوا منصّات ضغط سياسي–حقوقي على صناع القرار في الدول المضيفة، من خلال تنظيمات مهنية وفاعلة.
  • استخدموا موقعكم للربط بين الداخل والخارج، لا لفكّ الاشتباك بينهما؛ أنتم الجسر الحيّ.
  • كوّنوا تحالفات دائمة مع جاليات الشعوب الحرة، ومنظمات حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام.
  • لا تتركوا السرديات تُكتب باسمكم دون مشاركتكم؛ أنتم لستم فقط لاجئين، بل ممثلو كرامة شعب نُفي دون أن ينكسر.

ثالثًا: الاستثمار في الوطن من الحنين إلى الفعل

  • وظّفوا خبراتكم في دعم مشاريع النهضة من خلال شبكات تقنية، أكاديمية، وتنموية؛ لا تكتفوا بالتمويل، بل شاركوا في التخطيط والتقييم.
  • أنشئوا صناديق استثمار وطنية بإشراف مشترك مع مؤسسات النهضة، تُموّل منها مشاريع حيوية في التعليم، الزراعة، الصحة، والإعلام.
  • اسعوا إلى شراكات مع جامعات دولية تُترجم إلى برامج داخل سوريا الجديدة، تُمكّن الشباب من أدوات التحرر الحقيقي: المعرفة.
  • ساهموا في بناء منصات إعلامية مستقلة ناطقة باسم النهضة، تحمي الصوت الحر في الداخل وتعززه خارجيًا.

رابعًا: التمثيل السياسي العادل للشتات

  • طالبوا بحقكم في التصويت، والتمثيل البرلماني، والمشاركة الدستورية؛ أنتم مواطنون لا جاليات ملحقة.
  • أنشئوا مجلسًا استشاريًا للشتات تحت إشراف مجلس النهضة الوطني، يضم كفاءات من جميع القارات.
  • ارفضوا الوصاية “الأبوية” من الداخل، لكن لا تقطعوا الصلة باسم الاستقلالية؛ العلاقة يجب أن تكون ندّية وتكاملية.
  • صوغوا ميثاقًا أخلاقيًا يُنظّم أدواركم دون أن يُحوّلكم إلى سلطة موازية أو واجهة للنفوذ الخارجي.

خاتمة الفصل

 المنفى لا يُسقط الحق، ولا يُلغي الواجب. وأنتم – أبناء الشتات – لستم بقايا وطن منفي، بل أرواح ممتدة لسوريا الحرة، الشجاعة، الواعية. سوريا تحتاجكم لا كأرقام في سجلات اللجوء، بل كعقول، ومؤسسات، ومشاريع، وشركاء سيادة. فإما أن تبقوا في الخارج غرباء عن الداخل، أو تكونوا الداخل الممتد في كل العواصم، وتساهموا بجدارة في إعادة الوطن إلى مكانه: في قلوب مواطنيه، وفي ضمير العالم.