web analytics
القسم الخامس عشر – الباب الثالث

الفصل الخامس عشر التوصيات للشركاء والدول الصديقة

والمنظمات الدولية

مقدمة الفصل

منذ اندلاع الكارثة السورية، لم يكن المجتمع الدولي مجرّد مراقب. فقد تداخل في المشهد السوري لاعبون دوليون كُثر، تراوحت أدوارهم بين التواطؤ مع المستبد، وتغذية الصراع، وتقديم الدعم الإنساني المشروط، ومحاولات مصادرة القرار الوطني تحت لافتات الدعم.

لكن في لحظة التحوّل التاريخي، لم تعد المسألة تتعلق بما فعلوه، بل بما سيفعلونه لاحقًا. فمشروع النهضة لا ينظر إلى الخارج كمنقذ، ولا كخصم، بل كجزء من المعادلة: إما أن يساهم في إعادة إنتاج الفشل، أو يكون شريكًا مسؤولًا في تأسيس سيادة وطنية قائمة على العدل والمشاركة.

هذه التوصيات ليست مرافعة أخلاقية، بل دعوة سياسية واضحة: أن يُقاس التدخل الخارجي ليس بحجمه، بل بمدى احترامه للإرادة السورية الحرة.

أولًا: توصيات عامة في إطار الشراكة السيادية

  • اعترفوا بحق السوريين في إنتاج نظامهم الوطني دون وصاية، ولا تحوّلوا دعمكم إلى أدوات توجيه أو شروط سياسية.
  • انطلقوا من حاجات الناس لا من خرائط النفوذ؛ فالكرامة لا تُختزل بالمساعدات، والسيادة لا تُشترى بالتمويل.
  • تخطّوا النموذج الإنساني العازل، وادعموا مسارًا سياسيًا يضع الشعب في موقع الفاعل لا المتلقّي.
  • اجعلوا معاييركم علنية وخاضعة للرقابة المجتمعية، وتجنّبوا دعم النخب المكرّسة أو الفئات المرتبطة بالمركزية القديمة.

ثانيًا: توصيات للحكومات في الدول الصديقة

  • تبنّوا خطابًا يدعم بوضوح مشروع الدولة المدنية الديمقراطية، لا مجرد انتقادات للماضي.
  • لا تنخرطوا في ترتيبات سياسية مغلقة تنتج سلطات أمر واقع فاقدة للشرعية.
  • ادعموا العملية الدستورية بوصفها مسارًا سياديًا من الداخل، لا نتاج صفقات دولية أو ضغوط جيوسياسية.
  • وفّروا دعمًا سياسيًا وإعلاميًا لممثلي المجتمع المدني الحقيقيين، بدل الحكومات المؤقتة التي لا تعكس الإرادة الشعبية.

ثالثًا: توصيات للمنظمات الدولية والجهات المانحة

  • حرّكوا التمويل باتجاه المؤسسات القاعدية لا عبر شبكات النخب المعروفة بولائها السياسي.
  • اشترطوا النزاهة والشفافية، دون تحويل معايير الحوكمة إلى ذريعة للانكفاء أو الانتقائية.
  • استثمروا في القطاعات طويلة الأمد: التعليم، الصحة، العدالة، وتمكين المرأة، لا في المشاريع الموسمية قصيرة الأثر.
  • ادعموا التوطين المعرفي والعلمي، وساعدوا في إنشاء بنى تحتية للبحث والتعليم مستقلة عن الهيمنة السياسية أو الخارجية.

رابعًا: ملاحظات جوهرية لتفادي الانحراف

  • أي شراكة لا تحترم السيادة ستتحول إلى عبء، مهما حسنت نواياها.
  • المجتمع المدني ليس أداة تنفيذ، بل شريك في المساءلة؛ تجاهله يكرّس الاستبداد من جديد.
  • تمويل بلا مواءمة مع الأولويات الوطنية هو شكل ناعم من أشكال التدخل.
  • لا شرعية لأي تسوية لا تمرّ عبر الناس، وأي صفقة دونهم ستنهار معهم.

خاتمة الفصل

 الشريك الحقيقي ليس من يملأ الفراغ بالمال، بل من يصونه من الانهيار الأخلاقي والسياسي. وفي سوريا الجديدة، لا مكان لتدخل رمادي، ولا لتحالف مع المركزية القامعة. إما أن يكون الخارج شريكًا في بناء دولة تُشبه شعبها، حرة، خاضعة للمساءلة، مستقلة القرار، وإما أن يُسجَّل اسمه مجددًا في قائمة من ساهموا – بقصد أو دون قصد – في إعادة مأساة السوريين.

فاللحظة مفصلية، والمطلوب ليس تعاطفًا، بل احترامًا، لا تمويلًا فقط، بل التزامًا، لا شراكة شكلية، بل مسؤولية كاملة.