web analytics
القسم الخامس عشر – الباب الثالث

الفصل السادس عشر التوصيات لقطاع المعرفة

والمؤسسات البحثية والجامعات

مقدمة الفصل

عندما تنهار الدولة، لا يُهدم العمران وحده، بل تنهار أيضًا البنى العميقة لإنتاج المعنى، ويتفكك الرابط بين العقل والسيادة، بين الحقيقة والسلطة، وبين الجامعة والمجتمع

وفي التجربة السورية، تحوّلت الجامعة إلى ملحقٍ أمني، والمعرفة إلى أداة تزييف، والعقل إلى خطر يجب تدجينه.في مشروع النهضة، لا تُبنى الدولة بالجرافات فقط، بل بالعقول التي تعيد صياغة الأسئلة، وتفكّك البنى المهيمنة، وتبتكر الحلول

.ولهذا، يُنظر إلى قطاع المعرفة لا بوصفه مرفقًا نخبويًا، بل كفاعل سيادي وأخلاقي مركزي، يجب أن يُعاد تموضعه في صلب عملية إعادة تأسيس الدولة.

أولًا: إعادة تعريف المعرفة كفعل سيادي تحرّري

  • أعيدوا تعريف الجامعة بوصفها مؤسسة سيادية معرفية، لا جهازًا تابعًا لوزارة أو حزب.
  • حرّروا البحث الأكاديمي من الطابع النخبوي والمجرد، واجعلوه أداة لفهم الواقع وتفكيكه.
  • اربطوا المعرفة بالناس، لا بالسلطة؛ فالمعرفة التي لا تُنتج مساءلة، تساهم في تكريس التسلط.
  • اجعلوا من مراكز الفكر أدوات نقد ومراجعة، لا مجرد جهات تحليل تبريرية تُشرعن الفشل.

ثانيًا: إصلاح البنية الجامعية من السيطرة إلى الاستقلال

  • ألغوا كافة أشكال الوصاية الأمنية والإدارية على الحياة الجامعية، بدءًا من التعيينات وصولًا إلى المناهج.
  • فعّلوا استقلال المجالس الجامعية في السياسات التعليمية، وربطها بالمجلس الأعلى للنهضة والرقابة الوطنية.
  • أطلقوا حرية التعبير، والاختلاف الأكاديمي، والنقاش الفلسفي، دون قيد أيديولوجي أو طائفي أو سياسي.
  • أعيدوا الاعتبار للعلوم الإنسانية كأداة لتحليل المجتمع والسياسة، لا كمجالٍ ثانوي في ظل سيطرة التقنية البكماء.

ثالثًا: مراكز الأبحاث كأذرع معرفية لصناعة القرار

  • أدخلوا مراكز الأبحاث المستقلة في كل مفصل من مفاصل صنع القرار السيادي، كمؤسسات تقييم لا علاقات عامة.
  • أنشئوا منصّات معرفية وطنية تُنتج خرائط مخاطر، ودراسات استراتيجية، وتقارير رقابية على الأداء العام.
  • موّلوا البحث من موارد سيادية لا منحة مشروطة؛ فالاستقلال المعرفي لا يُبنى بالهبات العابرة.
  • اربطوا مراكز الأبحاث بالمجتمع المدني والسلطات المحلية، لا بالمكاتب المغلقة للنخب التنفيذية.

رابعًا: خارطة طريق لإعادة بناء قطاع المعرفة

  • إعادة هيكلة شاملة للجامعات خلال عشر سنوات، تشمل الإدارة، التمويل، التخصصات، وآليات الاعتماد.
  • إنشاء صندوق وطني للبحث العلمي غير خاضع للتقلبات السياسية، ويُدار بمنظومة رقابية مستقلة.
  • إطلاق منصة معرفية وطنية مفتوحة تُتيح تداول الأبحاث، المناهج، والمنتديات الفكرية العامة.
  • اشتراط ارتباط الشهادات العليا بمشاريع قابلة للقياس والتأثير، تُقاس نتائجها لا فقط أوراقها.
  • إشراك القطاع الأكاديمي في صياغة السياسات العامة، ومراجعة الدستور، وهندسة مشروع الدولة.

خاتمة الفصل

المعرفة، في مشروع النهضة، ليست ترفًا ثقافيًا، بل أداة تحرر، ومصدر سيادة، وسياج أخلاقي ضد عودة الاستبداد.
فالجامعة لا تُبنى بالإسمنت، بل بالحرية.

والأستاذ لا يُقاس بلقبه، بل بشجاعته في طرح السؤال.

والطالب لا يُختبَر في الحفظ، بل في قدرته على التفكير، وعلى المساهمة في تشكيل وطن حرّ، عادل، قابل للحياة.
وفي سوريا الجديدة، يجب أن يُكتب العقد السيادي بقلم المعرفة، لا بعصا القمع.