القسم السادس عشر – الباب الثالث
الفصل السادس عشر الخدمات الأساسية
البنية التحتية للحياة
مقدمة الفصل
لا يمكن لمشروع تأسيسي أن ينجح دون تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة للمواطنين، وخاصة في المراحل الانتقالية التي تعقب النزاعات والانهيارات. فالأمن الغذائي، والرعاية الصحية، والتعليم، والمياه والكهرباء، ليست ملفات خدمية فقط، بل هي العمود الفقري للاستقرار الوطني، والاختبار الأول لصدقية الدولة الجديدة.
هذا الفصل يضع المعالم العملية لإدارة ملف الخدمات الأساسية، ضمن رؤية تستند إلى الطوارئ قصيرة الأجل، والشراكة الواسعة، والتخطيط التشاركي، والرقابة المجتمعية.
أولًا: خطط الطوارئ للخدمات الحيوية
- تُفعَّل خطة وطنية للطوارئ بإشراف الحكومة الانتقالية، تشمل الكهرباء والماء والصحة والتعليم، خلال أول ستة أشهر من المرحلة الانتقالية.
- يُعاد تشغيل المنشآت الحيوية عبر تعيين لجان فنية محلية بإشراف مركزي، لضمان السرعة والمرونة، وتفادي البيروقراطية المعطّلة.
- تُحدَّد أولويات التوزيع والإنفاق بناءً على تقييم ميداني واقعي لاحتياجات المناطق، لا بناء على التوازنات السياسية.
- تُخصَّص وحدات تدخل سريع لإصلاح الأعطال الكبرى، وتأمين المرافق الحيوية في المناطق النائية والمهمّشة.
ثانيًا: الشراكة مع المجتمع المدني والشتات
- تُمنح المنظمات المدنية الوطنية المعتمدة دورًا مباشرًا في تنفيذ المشاريع الخدمية، وفق آليات رقابة شفافة.
- يُؤسس مكتب تنسيقي خاص للتعاون مع الشتات السوري، مهمته حشد الموارد، والخبرات، والاستثمارات الصغيرة لدعم مشاريع الخدمات.
- تُطلق مبادرة “الحي أولًا”، تتيح للمغتربين تمويل مشاريع خدمية في أحيائهم أو قراهم، مقابل ضمانات تنفيذ ومتابعة.
- تُشرك النقابات المهنية، والروابط الأهلية، والمبادرات الشبابية في مراقبة جودة الخدمات، ورفع التقارير الدورية.
ثالثًا: التمويل وخطط الاستقرار قصير الأجل
- يُنشأ صندوق وطني مؤقت لدعم الخدمات الأساسية، يمول من الموازنة العامة، والدعم الدولي، والتبرعات المشروطة برقابة.
- تُوضع خطة تمويل إسعافية تستهدف ضمان الإمداد الثابت للكهرباء والمياه الصالحة للشرب في المناطق عالية الكثافة.
- يُطلق برنامج صحي طارئ لإعادة تأهيل المشافي والمراكز الصحية القابلة للتشغيل السريع، مع توفير أدوية أساسية.
- تُمنح البلديات والمجالس المحلية صلاحية التعاقد مع موردين محليين للخدمات، لتسريع الاستجابة وتجاوز التراخي المركزي.
رابعًا: الرقابة والشفافية في إدارة الخدمات
- تُفعّل منصة وطنية رقمية تتيح للجمهور متابعة تقدم تنفيذ مشاريع الخدمات، وتقديم الشكاوى والتقارير.
- تُلزم كل جهة تنفيذية بنشر جداول زمنية، وموازنات تفصيلية، وتقارير شهرية عن الأداء.
- تُمنح وسائل الإعلام الوطنية والمجتمعية حق التغطية الميدانية المفتوحة لواقع الخدمات دون رقابة استباقية.
- تُشكّل هيئة رقابة مستقلة تابعة لمجلس النهضة الوطني، للتحقيق في المخالفات والاختلالات ضمن قطاع الخدمات.
خاتمة الفصل
إن قدرة الدولة الجديدة على تقديم خدمات فاعلة ليست مسألة إدارية فقط، بل مسألة سيادية بامتياز. فالدولة التي تفشل في إضاءة شارع، أو توفير ماء نقي، أو فتح مدرسة، ستفشل في بناء الثقة، ولو رفعت أسمى الشعارات. ولهذا، فإن الاستثمار في الخدمات ليس إنفاقًا، بل هو إعلان فعلي عن ولادة الدولة: دولة تحترم الإنسان، وتخدمه، وتحفظ له كرامة العيش، قبل أن تطلب منه الولاء أو المشاركة.