القسم السادس عشر – الباب الرابع
الفصل الثامن عشر الهوية السياسية والفكرية للدولة الجديدة
التأسيس القيمي للصورة السيادية
مقدمة الفصل
ليست الدولة كيانًا مؤسسيًا فقط، بل هوية تتجسّد في القيم والمبادئ والمواقف السياسية التي تُعبّر عنها أمام شعبها وأمام العالم.
وفي الحالة السورية، لم تكن المشكلة فقط في بنية الدولة الاستبدادية، بل في غياب هوية وطنية جامعة واضحة المعالم، وفي تضليل ممنهج حول “من تمثّل الدولة؟” و”ما الذي تمثّله؟”.
في الدولة الجديدة، لا بد من إعلان صريح لهويتها السياسية والفكرية، يُجيب عن السؤال الجوهري: من نحن؟ وماذا نمثّل؟ ولماذا وُجدنا؟
وهذه الهوية لا تُترك للتأويل أو التداول الفوضوي، بل تُبنى من نصّ الميثاق، وتجارب الناس، وأحلامهم في دولة تكون مرآة لكرامتهم لا قيدًا جديدًا.
أولًا: مرتكزات الهوية السياسية للدولة الجديدة
- الدولة السورية الجديدة تُعرّف نفسها بوصفها:
– جمهورية مدنية سيادية، لا تخضع لأي مرجعية دينية أو أيديولوجية حزبية.
– لا مركزية بنّاءة تحترم التنوع الجغرافي والثقافي وتضمن التمثيل المتوازن.
– ملتزمة بالميثاق النهضوي باعتباره المرجعية السيادية العليا للفعل السياسي والدستوري. - لا تنتمي الدولة إلى “حزب القائد” أو “الطائفة الحاكمة”، بل إلى الشعب بكامله، وتُجرّم الترويج لأي سردية إقصائية تحت أي غطاء.
ثانيًا: العلاقة بين الدولة والدين
- تُفصل الشؤون الدينية عن القرار السياسي.
- تُصان حرية المعتقد والتعبير الديني ضمن إطار القانون العام.
- تُمنع المؤسسات الدينية من التحوّل إلى أدوات تأثير سياسي أو وصاية على مؤسسات الدولة.
- يُعاد تعريف “الهوية الدينية للدولة” على أنها احترام للتعدد وليس تبنيًا لأي عقيدة.
ثالثًا: الموقف من الصراع الإقليمي وإسرائيل
- تُعلِن الدولة التزامها التاريخي بالقضية الفلسطينية بوصفها قضية عدالة إنسانية ووطنية، وترفض كل أشكال التطبيع القائم على الإذلال أو التبعية.
- ترفض الدولة الاعتراف بإسرائيل قبل الوصول إلى حل عادل وشامل يكفل حق العودة، وإنهاء الاحتلال، وقيام دولة فلسطينية حرة.
- تؤكد الدولة التزامها باستعادة كامل الجولان السوري المحتل بكل الوسائل المشروعة، وتُدرجه في وثائقها السيادية كأولوية دائمة.
- ترفض استخدام الجغرافيا السورية كساحة صراع بالوكالة لأي دولة، وتتبنّى سياسة خارجية تقوم على الحياد الإيجابي لا الانحياز القَسري.
رابعًا: الهوية الفكرية للدولة – من التنميط إلى المعنى
- الدولة لا تُعرّف نفسها عبر “أيديولوجيا حاكمة”، بل عبر مشروع نهضوي مفتوح قائم على:
– فلسفة الإنسان الحر بوصفه جوهر السياسة، لا أداة لها.
– العدالة الاجتماعية بوصفها التزامًا لا شعارًا.
– السيادة الوطنية بوصفها استقلالًا في القرار لا عداءً للآخر.
– التمثيل الحقيقي بوصفه نفيًا لأي حكم مفروض من فوق. - تُدرّس هذه المرتكزات في المناهج، وتُصاغ ضمن الخطاب الرسمي، وتُجسّد في السلوك اليومي للمؤسسات.
خامسًا: حماية الهوية من التزييف والانزلاق
- تُنشأ هيئة سيادية عليا باسم “مجلس حماية الهوية الوطنية”، وظيفته مراقبة أداء الدولة ومؤسساتها ومدى تعبيرها عن المبادئ المعلنة.
- يُمنع استخدام أجهزة الدولة في ترويج هويات فرعية أو إقصائية، أو تمجيد رموز المرحلة السابقة.
- تُجرّم محاولات تزوير الخطاب السيادي باسم الوطنية الشكلية أو التجييش العاطفي، ويُعتبر ذلك خرقًا لميثاق النهضة.
خاتمة الفصل
ليست الهوية السياسية والفكرية مسألة فلسفية أو جمالية، بل هي القاعدة التي تُبنى عليها كل مؤسسات الدولة، والخيط الناظم الذي يربط الشعب بالمشروع، والعالم بالاعتراف.
فالدولة التي لا تُعرّف نفسها بوضوح، تُعرَّف بالآخرين.
والدولة التي لا تصوغ معنى وجودها، تبقى فريسة للسرديات القديمة، أو رهينة للغموض المهلك.
وفي سوريا الجديدة، لا هوية بلا وضوح، ولا شرعية بلا مشروع، ولا دولة بلا معنى.