القسم السادس عشر – الباب الرابع
الفصل العشرون الإعلام الرسمي
بناء الخطاب السيادي للدولة الجديدة
مقدمة الفصل
في الدول التي تخرج من الاستبداد، لا يكون الإعلام مجرد وسيلة نقل، بل أداة تحرر، وساحة صراع على المعنى، ومنبرًا لإعادة تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة.
لقد كان الإعلام السوري لعقود طويلة صوت السلطة لا صوت الناس، وواجهة للدعاية لا مرآة للواقع، ومنصة لتكريس القمع باسم الوطن.
وفي سوريا الجديدة، لا بد من تأسيس إعلام سيادي يعكس قيم الميثاق، ويُعبّر عن الشعب لا عن الحاكم، ويُمارس وظيفته كأداة رقابة ومساءلة وتنوير.
أولًا: أهداف الإعلام في المرحلة التأسيسية
- صياغة خطاب سيادي جديد منبثق من مشروع النهضة، يعيد الثقة بين المواطن والإعلام الرسمي.
- نقل صورة الدولة الجديدة للعالم بوصفها دولة قيم لا فقط أجهزة.
- تفكيك سرديات النظام السابق التي ربطت الدولة بالقوة والوصاية والإذلال.
- حماية الساحة الإعلامية من الاختطاف السياسي أو الفئوي أو العقائدي.
ثانيًا: بنية الإعلام الرسمي الجديد
- تأسيس “الهيئة الوطنية للإعلام العام” بوصفها مؤسسة مستقلة دستوريًا، لا تتبع للحكومة التنفيذية، وتتولى الإشراف على الإعلام الرسمي بجميع وسائطه (مرئي، مكتوب، رقمي، إذاعي).
- تتكوّن الهيئة من شخصيات إعلامية وأكاديمية وقانونية من خلفيات متعددة، ويُنتخب ثلث أعضائها من ممثلي المجتمع المدني.
- يُلغى الإعلام الأمني والدعائي التابع للمخابرات أو الجيش، وتُحوَّل موارده ومؤسساته إلى الهيئة الجديدة بعد التصفية المالية والإدارية.
ثالثًا: المبادئ الحاكمة للخطاب الإعلامي
- الحياد تجاه السلطة التنفيذية، والانحياز الدائم للقيم العليا للميثاق.
- الالتزام بالحقيقة، وحق المجتمع في المعرفة، ومبدأ الشفافية في الأداء العام.
- احترام التعددية، وحق التعبير، والتمثيل المتوازن لكل المكونات والمناطق والتيارات.
- نبذ الكراهية، وتجريم التحريض الطائفي أو العنصري أو الإقصائي.
رابعًا: أدوات بناء الثقة مع الجمهور
- نشر جدول أسبوعي للبرامج الرقابية والسياسية المفتوحة، واستضافة مسؤولي الدولة للرد على أسئلة المواطنين.
- تخصيص مساحة يومية للأصوات المعارضة ضمن برامج محددة تتيح النقاش الحر ضمن سقف القيم الدستورية.
- اعتماد تقارير الأداء الإعلامي السنوية، التي يُقيَّم فيها مدى التزام الإعلام بمبادئ الميثاق والمهنيّة والحياد.
- إطلاق منصة رقمية تفاعلية رسمية للمواطنين، تتيح النقد، والاقتراحات، والتبليغ عن التجاوزات.
خامسًا: التنظيم القانوني والرقابي
- يصدر قانون الإعلام العام خلال 3 أشهر من تشكيل الهيئة، ويُحدّد صلاحياتها، وأسس الترخيص، وآليات المساءلة.
- تُؤسَّس “محكمة أخلاقيات الإعلام” لتفصل في الانتهاكات المهنية أو التحريض أو الأخبار المضلّلة.
- يُمنع أي مسؤول حكومي من التدخل في محتوى الإعلام العام، وتُعتبر أي تعليمات مباشرة أو غير رسمية انتهاكًا جنائيًا.
- تُنشَر كل التكاليف والموازنات والإعلانات والتمويلات الإعلامية على موقع شفاف مفتوح للمجتمع.
خاتمة الفصل
الخطاب الإعلامي للدولة هو أول مرآة يراها المواطن كل صباح، وأول جسر يربط الداخل بالعالم.
وفي سوريا الجديدة، لا نُعيد تشكيل الإعلام ليكون أكثر احترافية فقط، بل أكثر إنسانية وصدقًا وشراكة.
فالدولة التي لا تسمح للإعلام بأن ينقدها، لا تستحق أن يسمعها الناس،
والإعلام الذي لا يعبّر عن كرامة الناس، لا يملك الحق في تمثيلهم.