التقدمة الرابطة بين القسم الثاني والثالث
المحور السادس ترسيخ الثقافة النقدية
من الفعل النخبوي إلى البنية المجتمعية
لكي يتحول النقد من موقف معزول إلى شرط تأسيسي للمستقبل، لا يكفي أن يمارسه بعض المثقفين أو المعارضين، ولا أن يُعامل كاستثناء ظرفي. بل يجب أن يُغرس في التكوين الذهني والوجداني للإنسان منذ الطفولة. دون ذلك، ستُعاد صياغة الطاعة كفضيلة، والسكوت كحكمة، والتبرير كحس سياسي.
مشروع النهضة لا يكتمل دون تحويل الرؤية النقدية إلى ثقافة تربوية، وإلى جزء لا ينفصل عن بناء الدولة والمجتمع.
- من النقد النخبوي إلى النقد اليومي
في أغلب تجارب ما بعد الصراع، يبقى النقد مقصورًا على النخب الثقافية أو السياسية. بينما المطلوب أن يصبح النقد مهارة مجتمعية يمارسها الجميع: الطالب، الموظف، الصحفي، المواطن. يجب أن يتعلم الناس أن النقد ليس خروجًا عن الولاء، بل تعبير عن انتماء مسؤول.
- غرس التفكير النقدي في التعليم
التنشئة المدرسية يجب أن تتجاوز حشو المعلومات إلى تنمية ملكة التساؤل، والقدرة على التمييز بين الشرعية والتسلط، بين الدولة والاستبداد، بين السلطة والمصلحة العامة. نحتاج إلى مناهج تدرّس المبادئ النقدية، لا فقط الوطنية التقليدية.
- تحويل النقد إلى مؤسسة داخل الدولة
لا يكفي أن يُترك النقد للمبادرات الفردية. يجب أن تكون هناك آليات مؤسسية للمراجعة داخل كل وزارة وهيئة عامة، بحيث تكون الملاحظات والنقد والمساءلة جزءًا رسميًا من دورة العمل، لا حدثًا طارئًا. فالدولة التي لا تنتقد نفسها، تصادر النقد حين يأتيها من الخارج.
- الواقعية الأخلاقية بدل الواقعية التبريرية
الفرق كبير بين من يقبل التعقيد دون أن يخون المعنى، وبين من يبرر الانهيار باسم “الواقعية”. يجب أن نُربي الإنسان الجديد على فهم أن التدرج في الإنجاز مقبول، لكن التنازل عن المعيار خيانة للفكرة. الواقعية الحقيقية تحترم القيم حتى وهي تتعامل مع الإكراهات.
خلاصة المحور:
المثالية النقدية ليست شأناً فِكريًا نخبوياً، بل ركيزة لبناء الإنسان القادر على أن يسائل، ويصحّح، ويحمي المعنى. مشروع النهضة لا يحتاج فقط إلى قادة ومؤسسات، بل إلى جيل كامل لا يطبع مع الزيف، ولا يتصالح مع انحدار المبادئ تحت أي ذريعة.