بين النص والتطبيق: حماية المرأة والأسرة في دستور سوريا المؤقت لعام 2025
رغم ما تضمنه دستور سوريا لعام 2025 من نصوص متقدمة تكرّس حقوق المرأة وتحميها من العنف، فإن التحدي الحقيقي يبدأ من هنا:
هل يكفي النص دون قانون؟
هل تكفي الوعود دون محاسبة؟
حقوق المرأة لا تُصان بالشعارات، بل بقرارات تنفيذية، آليات قضائية عادلة، وشراكة مجتمعية تضمن الحماية والكرامة لكل امرأة في بيتها وشارعها ومؤسستها.
منذ الإعلان عن مسودة الدستور السوري الجديد لعام 2025، بدا واضحاً أن هناك توجهاً جديداً نحو تكريس حقوق المرأة ومكانتها داخل الأسرة والمجتمع فقد نصّت المادة 21 من الإعلان الدستوري على أن:
“تحفظ الدولة المكانة الاجتماعية للمرأة، وتصون كرامتها ودورها داخل الأسرة والمجتمع، وتكفل حقها في التعليم والعمل”.
كما جاء في النص نفسه أن:
“تكفل الدولة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة، وتحميها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف”.
هذا التقدم الدستوري مهم ويعكس وعياً متنامياً في قضايا النوع الاجتماعي، إلا أن التحدي الفعلي لا يكمن فقط في صياغة النصوص، بل في تنفيذها وتحويلها إلى واقع ملموس. وفي هذا السياق، نعرض ثلاث نقاط جوهرية تشكل محور النقاش حول جدوى التطبيق:
1. من النص إلى القانون: ضرورة إصدار قرارات تنفيذية واضحة
إن دسترة الحقوق لا تكفي ما لم تُترجم إلى تشريعات تنفيذية. حماية المرأة من العنف مثلاً، تتطلب إصدار قانون خاص يجرّم العنف الأسري والجنسي والاقتصادي، ويحدد العقوبات ويضع آليات التبليغ والاستجابة. فبدون قانون واضح، تبقى المادة 21 وعداً غير ملزم.
ولعل أبرز ما يمكن الاسترشاد به هو ضرورة تضمين قوانين مفصلة مشابهة لما ورد في دساتير حديثة كالدستور التونسي أو المغربي، حيث نصّت التشريعات المرافقة على آليات التنفيذ والرقابة والحماية.
2. آليات قضائية واجتماعية لحماية فعلية
حتى مع وجود القانون، فإن غياب آليات فعالة لرصد الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها يجعل من الحماية مجرد غطاء نظري مما يتطلب:
- إنشاء وحدات شرطية وقضائية مختصة بقضايا العنف ضد المرأة.
- محاكم مدنية متخصصة، تُراعي الحساسيات النفسية والاجتماعية للضحايا.
- توفير مراكز حماية واستقبال وآليات سرية للتبليغ.
كما يجب أن يتزامن ذلك مع تدريب العاملين في القطاعين الأمني والقضائي على آليات الاستجابة الجندرية، وعدم التساهل مع أي تمييز أو تهاون في تطبيق القانون.
3. شراكة فاعلة مع المجتمع المدني
المجتمع المدني لا يمكن أن يُختزل في دور المراقب أو الشاهد، بل يجب أن يكون شريكاً فاعلاً في التوعية والتنفيذ:
- تنفيذ حملات إعلامية حول العنف الأسري وحقوق المرأة.
- إنشاء خطوط نجدة، تقديم دعم قانوني ونفسي مباشر.
- مراقبة وتوثيق الانتهاكات، والضغط من أجل المحاسبة.
وتبقى الدولة مسؤولة عن توفير الإطار القانوني والدستوري لهذه الشراكة، وتيسير سبل التنسيق مع منظمات المجتمع المدني.
خلاصة
إن المادة 21 من الدستور السوري الجديد تمثل نقلة نوعية في مسار حقوق المرأة، لكن بين النص والتطبيق، مسافة لا يُختصرها الوعد الدستوري وحده.
لا بد من توافر إرادة سياسية وتشريعية، وإصلاح مؤسسي، وشراكة اجتماعية جادة، كي تتحول هذه الحقوق من حبر على ورق إلى ضمانات واقعية تحفظ كرامة المرأة السورية وتصون الأسرة وتبني مجتمعاً أكثر عدلاً.
جمانة يوسف
المراجع الدستورية: المادة 20 و21 من مسودة الإعلان الدستوري السوري لعام (2025)