web analytics
التقدمة الرابطة بين القسم الثاني والثالث

التقدمة الرابطة بين القسم الثاني والثالث

من التنظير القيمي إلى البناء المؤسسي

الحاجة إلى فصل تأسيسي انتقالي

حين تُبنى النهضة على وعي نقدي عميق، تدرك أن الانتقال من الحلم إلى البنيان، ومن الرؤية إلى الدولة، ليس مجرد تحوّل تقني، ولا خطوة إجرائية. بل هو معبر أخلاقي حساس يحتاج إلى جسر واعٍ يحفظ المعنى، ويضبط الاتجاه، ويمنع الفكرة من أن تضيع في تفاصيل السلطة أو تستنزفها ضرورات الحكم.

القسم الثاني من مشروع النهضة أسس للمعايير الكبرى: الكرامة، الحرية، السيادة الشعبية، العدالة، مساءلة السلطة. لكنه بقي، بطبيعته، في حقل التنظير القيمي والتحليل الفلسفي. أما القسم الثالث، فسيدخل في عمارة المؤسسات، وهندسة الحكم، وبناء الدولة الجديدة.

بين هذين القسمين، تبرز الحاجة الملحة إلى فصل انتقالي تأسيسي:

  • يربط النظرية بالممارسة دون أن يسمح بإفراغها؛
  • ينقل القيم إلى جسد الدولة دون أن يبتلعها واقع الضرورة؛
  • يؤسس لثقافة نقدية بنيوية تضمن أن تبقى الأخلاق حية في قلب السياسة.

هذا الفصل لا يُكتب بوصفه ملحقًا نظريًا، ولا بوصفه تمهيدًا إجرائيًا. بل بوصفه لحظة تأسيسية تمنع الانفصال بين الفكرة وأدواتها، بين المعيار والمؤسسة، بين الإنسان الحُرّ والدولة التي يُفترض أن تكون خادمة له، لا سيدته.

من هنا، فإن هذا النص الانتقالي لا يهدف فقط إلى تهيئة الأرضية الفكرية للانتقال، بل إلى تحصين مشروع النهضة من أخطر ما قد يهدده: أن تُستبدل الثورة بالمصلحة، أو تُستبدل المبادئ بالتقنيات، أو يُستبدل الحلم بشبكة معقدة من التبريرات الواقعية.

ولهذا، يبدأ هذا الفصل بالانطلاق من سؤال المعيار قبل سؤال الإجراء، ويُعيد طرح النقد كآلية بنيوية لا كفعل مزاجي، ويفتح الطريق أمام هندسة دولة لا تكتفي بتوزيع الصلاحيات، بل تزرع الضمير النقدي في قلب كل سلطة.

بهذا المعنى، لا يكون هذا الفصل مجرد جسر بين قسمين، بل صمام أمان يربط بين النظرية والتطبيق، ويمنع الثورة من أن تستهلك ذاتها في لحظة الانتصار.

التقدمة الرابطة بين القسم الثاني والثالث - مشروع النهضة