web analytics
القسم الثاني – الباب الأول

الفصل السابع السيادة في مشروع النهضة

من الجغرافيا المنتهكة إلى القرار المستقل

مدخل فلسفي–سياسي:

السيادة ليست راية على الحدود،
ولا فقط بندًا في دستور،
ولا اسمًا تُطلقه الأنظمة على أنفسها لتبرير التسلط.

السيادة، في جوهرها،
هي الحق الجمعي في القرار،
هي قدرة الجماعة السياسية على تنظيم مصيرها بحرية،
هي استقلال الإرادة، لا فقط حدود الأرض.

وفي سوريا، كانت السيادة شعارًا مرفوعًا بيد الحاكم،
بينما تُنهك البلاد:

  • من الاحتلال،
  • من الوصاية،
  • من التدخل،
  • ومن الانقسام،
  • ومن الداخل الذي خان السيادة قبل الخارج الذي انتهكها.

ولذلك، فإن النهضة لا تبدأ من بناء السلطة،
بل من استرداد السيادة – لا كشعار، بل كمفهوم فلسفي وواقع فعلي.

أولًا: السيادة في التجربة السورية – من الادّعاء إلى الانكشاف

لسنوات طويلة، رُفعت في سوريا شعارات “القرار المستقل” و”السيادة الوطنية”،
لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا:

  • في عهد الأسد الأب، ارتبط القرار الاستراتيجي عضوياً بالمعسكر السوفييتي.
  • في عهد الأسد الابن، تحولت سوريا إلى ساحة لتوازنات إيرانية–روسية–إسرائيلية–أمريكية–تركية.
  • ومع اندلاع الثورة، تحوّلت الجغرافيا السورية إلى رقعة شطرنج، تُدار فيها الصراعات لا تُصاغ منها السياسات.

السيادة في هذه الحالة لم تُنتهك فقط من الخارج،
بل تم التنازل عنها داخليًا،
حين أصبحت السلطة أهم من الوطن،
والبقاء في الحكم أهم من بقاء الدولة.

ثانيًا: مفهوم السيادة في مشروع النهضة – من التملك إلى التمثيل

لا نؤمن في هذا المشروع أن السيادة تعني:

  • سيطرة نظام،
  • ولا احتكار قرار،
  • ولا حق استخدام الأرض كدرع لمصالح الطغمة.

بل نؤمن أن السيادة تعني:

أن يمتلك الشعب السوري وحده الحق في تقرير مصيره،
واختيار ممثليه،
وتنظيم حياته،
وأن تكون الدولة في خدمته، لا وصية عليه.

وبذلك، تصبح السيادة وظيفة جماعية، لا امتيازًا سلطويًا.

ثالثًا: أركان السيادة الحقيقية – ما الذي يجب استعادته؟

لكي تُبنى السيادة على أسس واقعية، يجب أن تستند إلى الأركان التالية:

  1. قرار سياسي مستقل: لا يُصاغ في العواصم الإقليمية، ولا يُستورد من المعسكرات.
  2. اقتصاد غير مرتهن: لا يقوم على المساعدات المشروطة، ولا على التحالفات الريعية.
  3. جيش وطني: لا يدين بالولاء لجهة خارجية، ولا يُستخدم لقمع الداخل.
  4. دبلوماسية نزيهة: تحمي المصالح الوطنية بكرامة، لا تخضع لمنطق المحاور.
  5. إعلام حر: يعكس الإرادة السورية، لا يُستخدم كمنصة ناطقة باسم الخارج.
  6. عدالة داخلية: لأن لا سيادة لمن يُقهر شعبه، حتى لو حمى حدوده.

رابعًا: من السيادة الجغرافية إلى السيادة الإرادية

نُعيد في هذا المشروع تعريف السيادة على مستويين:

  • سيادة على الأرض: بمعنى استعادة وحدة التراب السوري، ووقف المشاريع التقسيمية.
  • وسيادة على القرار: بمعنى التحرر من الوصاية الإقليمية والدولية، وبناء قدرة ذاتية على اتخاذ القرار الوطني.

لكن الأهم:
أن السيادة الحقيقية لا تُقاس فقط بعدد الجنود أو امتلاك السلاح،
بل بمدى امتلاك الدولة لشرعية داخلية تنبع من الناس.

فلا سيادة خارجية دون سيادة شعبية،
ولا كرامة للدولة دون كرامة مواطنيها. 

خامسًا: أدوات استرداد السيادة في واقع ما بعد الحرب

في ظل التحديات الواقعية، لا يمكن الحديث عن السيادة بمنطق الرغبة فقط، بل بمنطق ما هو ممكن وفعّال. ولهذا، نقترح:

  1. خريطة دبلوماسية مستقلة جديدة: تعيد رسم علاقة سوريا بالعالم على أساس المصالح لا الولاءات.
  2. تحصين القرار الاقتصادي: عبر بناء منظومة إنتاج وطنية تُغني عن التبعية.
  3. تحييد المؤسسة العسكرية: وإعادة بنائها على أسس وطنية محضة.
  4. وقف عسكرة المجتمع: لأن المجتمعات المُسلحة تُنتج سلطات أمر واقع لا دولًا.
  5. بناء بنية سياسية تمثيلية: تجعل من الداخل السوري مصدر القرار، لا الخارج.

سادسًا: السيادة ليست الانعزال – بل المشاركة الواعية

نحن لا ندعو إلى الانغلاق،
ولا إلى خطاب مقاوم فارغ،
ولا إلى شعارات “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” القديمة.

بل نؤمن أن السيادة الحقيقية:

  • تُبنى بالحوار، لا بالمجابهة.
  • تُمارَس بالاستقلال، لا بالقطيعة.
  • تُصان بالمؤسسات، لا بالشعارات.
  • وتُعاش داخل الناس، لا فقط تُكتب على الخرائط.

خاتمة الفصل: السيادة كشرط للنهضة، لا كشعار لها

لا نهضة بدون سيادة.
ولا سيادة بدون شعب حرّ.
ولا حرية بدون دولة تستمد قوتها من الناس، لا عليهم.

في مشروع النهضة، السيادة ليست فقط حقًّا تاريخيًا،
بل وظيفة يومية،
تُمارس في القرار،
وفي الإنتاج،
وفي تمثيل الناس،
وفي رفض أن يُصاغ مصير سوريا في مكان لا توجد فيه سوريا.