القسم الثاني – الباب الثالث
الفصل الثاني والعشرون الشباب
من التهميش الوجودي إلى المحورية السيادية
مدخل فلسفي – تحليلي:
حين تُهمَّش الفئة الأكثر حيوية في المجتمع،
لا يعود الأمر خطأً إداريًا… بل انتحارًا جماعيًا بطيئًا.
فالشباب ليسوا فئة عمرية فقط،
بل هم طاقة المعنى،
وكتلة التحوّل،
وحَمَلة الإمكانات،
ومختبرات المستقبل.
وفي سوريا، كان تهميش الشباب مخططًا سلطويًا ممنهجًا،
لا فقط نتيجة ظرف أو إهمال،
وتم عبره تجريدهم من:
- القرار،
- التمثيل،
- الحق في الحلم،
- والقدرة على التأثير.
ولهذا، فإن أي مشروع نهضة لا يُعيد الاعتبار للشباب،
لا بوصفهم “ورقة” انتخابية أو “أداة” حزبية،
بل كـركيزة سيادية للقرار والمصير،
هو مشروع مبتور… بلا جذر، ولا أفق.
أولًا: الشباب السوري – من الطاقة إلى الإلغاء
منذ عقود، خضع الشباب السوري لعملية تفريغ مزدوج:
- إفراغ من الدور:
- لا صوت في السياسة
- لا مساحة في القرار
- لا تمثيل في المؤسسات
- لا مشاركة حقيقية في صياغة المصير
- إفراغ من المعنى:
- تربوا في مدارس خالية من النقد
- ومرّوا بجامعات مفرغة من الإبداع
- ووجدوا أنفسهم بين خيارين:
▪ إما الانخراط في مؤسسات النظام الخانعة
▪ أو الانسحاب إلى العدم
والنتيجة: أجيال كاملة تاهت بين الغربة، واليأس، والنجاة الفردية.
ثانيًا: الشباب في زمن الثورة – من الصوت إلى الإقصاء
حين اندلعت الثورة،
كان الشباب هم أول من خرجوا، وأول من صُمِتوا.
- صاغوا الشعارات
- رسموا الحلم
- أدخلوا الوعي الجديد إلى الفضاء العام
لكنهم تعرّضوا سريعًا إلى:
- القمع،
- ثم التهميش من القيادات التقليدية،
- ثم الإقصاء من الأحزاب المؤدلجة،
- ثم الاحتواء من مشاريع خارجية أرادت استخدامهم لا تمكينهم.
فخرجوا من الهامش، فقط ليُعاد دفعهم إليه، لكن هذه المرة باسم “الثورة” لا السلطة
ثالثًا: فلسفة الشباب في مشروع النهضة – من “الجيل القادم” إلى مركز المشروع
نحن لا نُعامل الشباب كـ”أمل” مبهم للمستقبل،
بل كـفاعلين حقيقيين في الحاضر،
وكمركز للقرار السيادي الوطني.
في فلسفة النهضة، الشباب هم:
- منتجو المعنى، لا متلقّوه
- شركاء في التأسيس، لا ورثة لماضٍ فاسد
- مُحرّكو العقد الاجتماعي، لا أدوات دعاية له
- كتلة أخلاقية–سياسية يجب تمكينها، لا ترضيتها
رابعًا: منظومة التمكين الشبابي – من الترميم إلى التأسيس
- دسترة الحق في التمثيل السياسي للشباب (حصص مضمونة في المجالس التمثيلية)
- سياسات تعليمية تُعيد بناء الثقة والفكر النقدي والمهارات الإنتاجية
- دعم المبادرات الشبابية المستقلة خارج الأطر الحزبية أو الدينية أو الأجنبية
- إنشاء مجالس شبابية منتخبة في كل منطقة، بسلطات حقيقية في الرقابة والمساءلة
- برامج اقتصادية مخصصة للشباب، تتيح التملك، المبادرة، التوظيف، والتعليم المهني
- إطلاق ميثاق وطني لحماية الشباب من الاستغلال السياسي، الأمني، أو الديني
- خلق فضاءات حرة للتعبير الثقافي–الفني–الاجتماعي، بعيدًا عن الرقابة
خامسًا: الشباب كمعيار سيادي – من هامش المواطنة إلى صلبها
في الدولة النهضوية،
لا يُقاس تقدم الدولة بعدد مقاعد الوزراء أو استثمارات النخبة،
بل بـعدد الشباب الذين يشاركون، يقررون، يحلمون، ويصنعون الفعل العام.
ولهذا، نُعيد تعريف السيادة الشبابية بأنها:
قدرة الجيل الجديد على صياغة مستقبله، بحرية، وكرامة، ومسؤولية.
لا عبر تمثيل رمزي،
بل عبر امتلاك أدوات القرار والفعل والرؤية.
خاتمة الفصل: الشباب ليسوا المستقبل… بل أصحابه
لسنا بحاجة إلى تكرار الشعارات التي تمجّد الشباب،
بل نحتاج إلى مشروع يضعهم في المركز:
- مركز التخطيط
- مركز التنفيذ
- مركز الرقابة
- مركز الثقافة
- ومركز الحلم
لأن النهضة الحقيقية لا تصنعها الأجيال التي تنتظر،
بل التي تُقرّر… وتشارك… وتؤسس.
والشباب في سوريا، رغم كل الإلغاء والتشويه،
ما زالوا يمتلكون الجذر،
وإذا أُعيد لهم الصوت…
فسيكتبون فصلًا جديدًا،
لا نريد أن نكتبه عنهم، بل معهم.