القسم الثالث – الباب الثالث
الفصل الخامس عشر حماية العقد الوطني
من التهديدات الداخلية والخارجية
مقدمة تأسيسية:
الدول لا تنهار فقط بالقنابل والاحتلال، بل غالبًا يبدأ سقوطها من داخلها: حين يُخرق عقدها الوطني، وتضعف ثقتها بذاتها، وتُصبح فريسة للانقسام، أو التبعية، أو التغوّل من طرف واحد.
وفي سوريا، لا يكفي أن نكتب عقدًا اجتماعيًا جديدًا، بل لا بد من آليات لحمايته من الانهيار أو المصادرة أو التشويه، سواء عبر الفوضى المسلحة، أو الاختراق الخارجي، أو التلاعب السياسي.
إن حماية العقد الوطني هي حماية لفكرة الدولة ذاتها، ولمبدأ السيادة، ولحق الناس في أن يُحكموا بإرادتهم لا بالخوف أو الخداع أو الإكراه.
أولًا: التهديدات الداخلية للعقد الوطني
- الطائفية السياسية: التي تُحوّل التعدد إلى مشروع محاصصة وهيمنة، وتفكّك الانتماء الجامع.
- الميليشيات والسلطات الفوق–قانونية: التي تُنتج مراكز قرار موازية، وتُضعف وحدة الدولة.
- التوظيف الديني والإيديولوجي في الحكم: حين يُختزل العقد الوطني في هوية فكرية أو مذهبية ضيقة.
- الاستئثار بالسلطة: سواء باسم الأغلبية أو الثورة أو الأمن، مما يؤدي إلى شرخ الثقة بين المجتمع والدولة.
- ضعف الثقافة الدستورية والمدنية: وغياب الفهم العام لحقوق المواطن ومفهوم الشرعية.
ثانيًا: التهديدات الخارجية للعقد الوطني
- الاحتلال المباشر: كما في حال القوات الأجنبية على الأراضي السورية، التي تُقوّض السيادة وتُعقّد وحدة القرار.
- مشاريع التفكيك والتفتيت: سواء عبر الطروحات الانفصالية أو الفيدراليات الهوياتية غير التوافقية.
- الوصاية الدولية المُقنعة: حيث يُفرَض شكل الحكم من الخارج، أو يُصادَر القرار الوطني تحت غطاء التسويات.
- التمويل السياسي المشروط: الذي يُحرّف مسار التمثيل والقرار، ويُحوّل القوى الوطنية إلى أدوات نفوذ.
- السرديات الخارجية المتنافسة حول سوريا: التي تسعى إلى قولبة الدولة وفق مصالح القوى الكبرى، لا وفق إرادة السوريين.
ثالثًا: آليات حماية العقد الوطني
- نص دستوري واضح يحمي وحدة الدولة، ويجرّم أي محاولة لتفكيكها أو إخضاعها للوصاية.
- محكمة دستورية مستقلة تضمن الالتزام بروح العقد، وتمنع الاستفراد أو التلاعب بالسلطة.
- مجلس أعلى لحماية العقد الوطني، يُمثّل فيه مختلف القوى والمكونات المدنية، لمراقبة مدى الالتزام بالثوابت التعاقدية.
- قوانين رادعة ضد خطاب الكراهية، والطائفية، والتحريض على العنف، أو الانفصال.
- تدابير وقائية لضمان الشفافية في تمويل الأحزاب والإعلام والهيئات المؤثرة في الرأي العام.
- منظومة تعليمية وطنية تُعزّز قيم المواطنة والهوية الجامعة، وتُحصّن الوعي العام من الانجرار وراء السرديات التفكيكية.
رابعًا: العقد الوطني كأداة مقاومة وسيادة
في سوريا الجديدة، لا يُنظر إلى العقد الوطني بوصفه نصًا إداريًا، بل كسلاح سيادي في وجه كل مشروع تفكيك أو تبعية.
فهو:
- يضبط العلاقة بين المكونات دون قمع أو محاصصة.
- يجرّم الانفصال دون إلغاء التنوع.
- يضمن تمثيل الجميع دون تسلّط أحد.
- يُعيد تعريف الوطنية بوصفها شراكة لا هيمنة.
وحين تحاول الأطراف الخارجية فرض تصورات للحل أو الحكم، يجب أن يكون العقد الوطني هو السقف الأعلى الذي لا يُخرق، والمظلة التي لا يُساوم عليها.
خاتمة الفصل وخاتمة الباب:
لقد خضنا في هذا الباب رحلة من المفهوم إلى البنية، من الأمن السلطوي إلى الأمن المجتمعي، من القمع إلى الحماية، ومن الخوف إلى العدالة.
وحين يُبنى الأمن كجزء من العقد الوطني، لا كخصم له، يصبح قوة للبناء لا للهدم، ويُصبح المواطن شريكًا في السلام لا ضحية للصراع.
وفي مشروع النهضة السورية، لا تكون الدولة نهضة إلا إذا كانت عادلة في أمنها، أخلاقية في ردعها، حامية في حضورها، سيادية في مؤسساتها، ومُحصّنة بعقد جامع لا يعلو عليه أحد.