web analytics
القسم الثالث – الباب الرابع

الفصل العشرون العدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي للمواطن

 مقدمة تأسيسية:

الدولة ليست فقط حارسة للحدود، ولا حارسة للنظام العام، بل يجب أن تكون حارسة للكرامة، وللقدرة على الحياة الكريمة.
وحين يُقصى المواطن من دورة الاقتصاد، وتُحتكر الثروة، وتُعطى الفرص بناء على الولاء، تتحوّل الدولة إلى كيان جائر، ويصبح الاقتصاد أداة قهر بدلًا من أن يكون رافعة للتحرر.

وفي سوريا، كان المواطن هو آخر من يُؤخذ بعين الاعتبار عند رسم السياسات، وأول من يُلقى على قارعة الفقر والبطالة حين تنهار السلطة.

لذلك، فإن مشروع النهضة لا يُعيد بناء الدولة فقط، بل يُعيد الاقتصاد إلى الإنسان، ويُعيد الإنسان إلى مركز السيادة.

 أولًا: الفجوة الاجتماعية في النموذج السلطوي

  1. تراكم الثروة في يد فئة ضيقة ترتبط بالسلطة أو تتحالف معها.
  2. تفكك الطبقة الوسطى وتحولها إلى شرائح هامشية تُصارع للبقاء.
  3. تهميش الفئات العاملة: العمال، الفلاحين، أصحاب المهن الصغيرة.
  4. تحوّل الخدمات الأساسية (الصحة، التعليم، السكن) إلى امتيازات لا حقوق.
  5. انعدام الأمان الاجتماعي: لا تقاعد عادل، لا ضمان ضد البطالة، لا تغطية للفئات الهشة.

 ثانيًا: مفهوم العدالة الاجتماعية في مشروع النهضة

العدالة الاجتماعية ليست مساواة سطحية، بل توزيع منصف للفرص، وضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة للجميع، ورفع الحواجز البنيوية أمام التمكين الاقتصادي.

وتقوم العدالة الاجتماعية على ثلاث ركائز:

  1. التوزيع العادل للثروة والفرص، عبر سياسات مالية وضريبية عادلة.
  2. تمكين الفئات الهشة والفقيرة، عبر برامج دعم ذكية وموجهة.
  3. تأمين شامل للخدمات الأساسية بوصفها حقًا لا منّة.

 ثالثًا: التمكين الاقتصادي للفئات المهمشة

  • النساء: عبر تيسير دخولهن سوق العمل، وضمان الحقوق الاقتصادية، ودعم المشروعات النسوية.
  • الشباب: عبر التدريب المهني، والتمويل الابتكاري، وتوفير فرص لبدء المشاريع.
  • ذوو الإعاقة: عبر سياسات إدماج في التوظيف والبنية التحتية.
  • سكان الأرياف والمناطق الطرفية: عبر مشاريع تنمية محلية مدعومة، وحوافز استثمارية موجهة.
  • العاملون في القطاعات غير الرسمية: عبر تنظيمهم، وتحويلهم إلى قطاع منتج مضمون الحقوق.

 رابعًا: أدوات السياسات العادلة

  1. نظام ضريبي تصاعدي عادل يخفف العبء عن الفقراء ويحمّل أصحاب الدخول العليا مسؤوليتهم المجتمعية.
  2. شبكة أمان اجتماعي تتضمن تأمينًا صحيًا وتعليمًا مجانيًا ومعاشات تقاعدية كريمة.
  3. برامج دعم مباشر مشروطة (للأسر الفقيرة، الطلبة، المشاريع الصغيرة) تُربط بالإنتاج لا الاستهلاك السلبي.
  4. نظام الحد الأدنى للأجور والمعاشات يُراجع دوريًا لحماية القوة الشرائية.
  5. صندوق العدالة الاجتماعية يُموَّل من ضرائب خاصة على الاحتكار والفساد التاريخي.

 خامسًا: العدالة الاجتماعية كضمان للتماسك الوطني

  • لا يمكن بناء عقد اجتماعي دون شعور المواطنين بأنهم متساوون في الكرامة والفرصة.
  • ولا يمكن لأي دستور أن يُحترم إذا كان الجوع يُذل الناس يوميًا.
  • العدالة الاجتماعية ليست فقط بندًا اقتصاديًا، بل شرط سياسي لاستقرار الدولة واستمرار النهضة.

 خاتمة الفصل:

في مشروع النهضة، العدالة ليست شعارًا، بل نظام حياة، والتمكين الاقتصادي ليس تفضّلًا من الدولة، بل اعترافٌ بحقّ المواطن في أن يكون منتجًا، حرًّا، مستقرًا، فاعلًا.

ولهذا، فإن كل خطوة في بناء الدولة الجديدة يجب أن تُقاس بما تُضيفه لكرامة المواطن لا لحسابات السوق وحدها.