المبادئ التأسيسية العليا لمشروع النهضة وبناء الدولة السورية ما بعد الاستبداد
السيادة – الأصل الأول
السيادة ليست شعارًا يُرفع، ولا ورقة تفاوض تُلوّح بها، بل أصلٌ لا يقوم المشروع من دونه، ولا تُبنى دولة بدونه. فالدولة التي لا تملك قرارها، ولا تصوغ مستقبلها من داخلها، ولا تُحدّد خياراتها بناءً على إرادة شعبها، ليست دولة، بل كيان وظيفي مؤقت، مهما بدا مستقرًا أو معترفًا به.
في مشروع النهضة، تُفهم السيادة بوصفها حرية الإرادة الجمعية في صياغة الذات والمصير، وحق المجتمع في التحكم بمصادره، وحدوده، وتوازنه، وقوانينه، دون وصاية من الخارج، ولا احتكار من الداخل. لهذا، فإننا نرفض:
أي شكل من أشكال الوصاية الدولية أو الإقليمية التي تُعيد تشكيل سوريا وفق مصالح غير السوريين.
أي شكل من أشكال الهيمنة الفكرية أو الدينية التي تحاول مصادرة السيادة من خلال احتكار المعنى أو الحقيقة.
كل محاولة لاستبدال السيادة الشعبية بمشاريع فوقية أو صفقات مرحلية أو حلول مفروضة تحت ضغط السلاح أو المال.
السيادة في هذا المشروع ليست نقطة تفاوض، بل نقطة انطلاق. ولا يمكن تصور نهضة دون أن يكون القرار سوريًا، نابعًا من إرادة حرّة، ومعبّرًا عن المصالح العليا للشعب السوري بكل مكوناته، لا عن مصالح الأطراف الممولة أو الضامنة أو المسيطرة.
العدالة والمحاسبة – شرط المعنى والشرعية
لا يمكن بناء دولة حرة بلا عدالة، ولا يمكن بناء عدالة بلا مساءلة. فالتاريخ السوري المعاصر كُتب بالدم، وتراكمت فيه مظالم جماعية وفردية لا تُحصى. ولا يمكن عبور هذه الذاكرة الجماعية بمنطق الصفقات، أو تجاوزها بمنطق النسيان القسري.
في مشروع النهضة، العدالة ليست مجرد آلية قضائية، بل هي فعل اعتراف، ومصالحة مع الحقيقة، وتأسيس لأرضية أخلاقية لا تنهض الدولة بدونها. ولهذا، فإننا نؤمن أن:
لا عفو دون اعتراف.
لا مصالحة دون كشف الحقيقة.
لا انتقال سياسي دون محاسبة فعلية لمن تورط في جرائم ضد الإنسان والمجتمع.
لا حماية لأحد بسبب موقعه أو ديانته أو انتمائه.
العدالة هنا ليست انتقامًا، بل تحرير للذاكرة. وليست سلاحًا سياسيًا، بل شرط قيمي لبناء الدولة من جديد. وكل مشروع يتجاوز هذه الحقيقة، أو يؤجلها، أو يطويها، يضع نفسه خارج مسار النهضة الحقيقي.
المواطنة المتساوية – القاعدة الأولى للدولة
سوريا لن تقوم إن بقيت مقسّمة إلى طوائف وولاءات وخرائط مذهبية أو قومية. لن تقوم إن استمر تمثيل الناس بوصفهم “سنّة” أو “علويين” أو “دروز” أو “كردًا” أو “عشائر”. هذه ليست هويات سياسية، ولا يجوز أن تكون. والمواطنة، في مشروع النهضة، ليست مجرد صفة قانونية، بل هي القاعدة التأسيسية التي تُلغى عندها كل الامتيازات وكل التمثيلات الجماعية باسم الهويات الفرعية.
في هذا المشروع:
لا طوائف في السياسة.
لا قوميات مقدسة.
لا جماعات تُحصّن نفسها بالمظلومية أو التاريخ أو الدين.
لا تمثيل جماعي فوق التمثيل الفردي الحر.
المواطن هو الفرد، الحر، العاقل، المسؤول.
وكل من يدّعي تمثيل جماعة دون تفويض، أو يطالب باقتطاع السلطة لمكوّن باسم التوازن، إنما يهدّد أساس الدولة ذاتها. لأن الدولة تُبنى على العدل، لا على القسمة؛ على المساواة، لا على المحاصصة؛ على العقد، لا على الغلبة.