القسم الرابع – الباب الثاني
الفصل السادس الثقافة والفنون واللغة
معركة الرمز والهوية
مقدمة تحليلية
حين تُقمع السياسة، تلجأ الشعوب إلى التعبير عبر الرمز.
وحين يُمنع التفكير، تُصبح اللغة ساحة مقاومة.
وحين تُختطف الهوية، تصبح الفنون آخر الحصون.
في سوريا، تم تجريف الثقافة لعقود:
فُرضت على المثقفين رقابة صارمة،
وتمّت مصادرة الفنون أو تسليعها،
وتحوّلت اللغة إلى أداة تضليل لا أداة وعي.
أما في الحرب، فقد تَمزَّق الرمز الثقافي الوطني بالكامل:
انفجرت الرموز الهوياتية والطائفية،
وانهار الخطاب الجمالي تحت ركام العنف،
وغاب الإنتاج الفني الذي يوحّد أو يُلهم.
ومع هذا الخراب الرمزي، فقدت سوريا سرديتها الجامعة.
لذلك، فإن استعادة الوعي الثقافي ليست ترفًا، بل ضرورة لبناء الوطن:
فالثقافة ليست زينة الدولة، بل روحها.
واللغة ليست وسيلة تواصل، بل حارس الهوية والمعنى.
أولًا: كيف تم تدمير الثقافة والرمز في سوريا
- ثقافة الخضوع بدل ثقافة السؤال
السيطرة على المؤسسات الثقافية، ومنع أي خطاب نقدي أو مستقل.
تمجيد القائد في الأدب والمسرح والفن، وتحويل الثقافة إلى مرآة للسلطة. - احتكار الفنون الرسمية وتهميش البدائل
دعم الإنتاجات التي تخدم الرواية الرسمية فقط،
حظر الأفلام والكتب والمعارض الجريئة أو الإنسانية. - إضعاف اللغة بوصفها أداة نقد وتحرير
فرض خطاب خشبي مفرغ من الدلالة.
تهميش اللغة الأدبية الحرة لصالح لغة أمنية أو شعاراتية.
ثانيًا: الحرب ومعركة الرموز الممزقة
- تطييف الفنون واللغة
انحياز المنابر الثقافية نحو الطائفة أو المنطقة أو الفصيل.
انقسام الخطاب الرمزي حسب الجهة المسيطرة. - تسليع الثقافة واستغلالها خارجيًا
استخدام الخطاب الثقافي للتمويل والمساعدات دون مشروع وطني.
اختزال الثقافة في “قصص الحرب” دون معالجة الجذور العميقة للانهيار. - اغتيال الرمزية الوطنية الجامعة
تم تهميش الأدباء والفنانين الوطنيين لصالح “الناشط اللحظي”.
غابت الرموز التي توحّد وتلهم، وحلّت محلها رموز عابرة أو مؤدلجة.
ثالثًا: إعادة بناء الفضاء الثقافي السوري
- الثقافة كفعل مقاومة لا أداة سلطة
إلغاء الرقابة المسبقة على الإنتاج الثقافي والفني.
حماية حرية التعبير الأدبي والفني من التوظيف الأيديولوجي أو القمع. - إعادة الاعتبار للفن بوصفه لغة وطنية
دعم المسرح، السينما، الموسيقى، والفنون البصرية كجسور للتعبير والتضميد والخيال.
ربط الفنون بالواقع المجتمعي لا بالعقائد أو المانحين. - استعادة اللغة بوصفها أداة للمعنى والمقاومة
تعزيز اللغة العربية الفصحى الحديثة، وتحريرها من الخشب الأيديولوجي.
احترام اللغات الأخرى في سوريا ضمن إطار المواطنة لا الانفصال الرمزي. - إنتاج رموز جديدة تعبّر عن سوريا الجامعة
بناء سرديات مشتركة تُلهم ولا تقصي.
استعادة الرموز الثقافية الحيّة من التاريخ والواقع، دون تقديس أو تصفية.
رابعًا: سياسات ثقافية في مشروع النهضة
- إنشاء هيئة ثقافية مستقلة عن الدولة والحزب والفصيل.
- دعم المجتمعات الفنية واللغوية في الريف والهامش كما في المركز.
- إعادة فتح المسارح والمعاهد والمكتبات بوصفها فضاءات حرة لا منصات دعائية.
- تعزيز التمويل الوطني للإنتاج الثقافي المستقل، دون وصاية خارجية.
خاتمة الفصل
الثقافة ليست مكمّلاً سياسيًا، بل أساس السيادة الرمزية.
والفنون ليست ترفًا، بل علاجٌ جماعي من أثر الكارثة.
واللغة ليست أداة توحيد فحسب، بل ساحة مقاومة ضد السرديات المفروضة.
في سوريا الجديدة، نحتاج أن نروي قصتنا بأنفسنا،
لا بلغة الآخر، ولا بشروط الجلاد،
بل عبر وجدان حرّ، وذاكرة صادقة، ورمز يعكسنا نحن كما نحن.