web analytics
spot_img

ذات صلة

4 أعمدة رئيسية لمكونات العدالة الانتقالية السورية

العدالة الانتقالية السورية ليست مسارًا موحدًا أو أداة واحدة، بل هي بنية متكاملة متعددة الأركان، يُفترض أن تعمل بتناسق لتعيد ترميم العلاقة بين الإنسان والدولة، وبين القانون والشرعية، وبين الذاكرة والمستقبل.

وفي السياق السوري، فإن أي اختزال أو تغليب لأحد الأركان على الآخر سيُنتج عدالة مشوّهة، غير قادرة على ترسيخ الثقة، ولا على منع تكرار الجرائم.

لذلك، يقوم هذا المحور على أربعة أعمدة مترابطة تمثّل الأساس الإجرائي والفلسفي للعدالة الانتقالية في سوريا:

أولًا: كشف الحقيقة – لا مصالحة فوق الكذب

لا يمكن بناء أي سلام وطني مستدام دون كشف الحقيقة كاملة، كما هي، دون تزوير أو تبرير.
الحقيقة ليست عنصرًا رمزيًا في العدالة، بل هي الركيزة الوجودية لها.

في سوريا، نحن لا نتعامل مع جريمة واحدة، بل مع منظومة متكاملة من الانتهاكات امتدت لعقود، وتفاقمت بعد 2011.

متطلبات هذا الركن:
  • تشكيل هيئة وطنية مستقلة لكشف الحقيقة، تتبع لمجلس سيادي لا للحكومة.
  • توثيق الانتهاكات الكبرى: المجازر، المعتقلات، الإخفاء القسري، الاغتصاب، التعذيب.
  • حماية الشهود والضحايا والمبلّغين قانونيًا وأمنيًا.
  • فتح أرشيف الأجهزة الأمنية للنظام السابق، والكيانات العسكرية الأخرى.
  • ضمان الحق العام بالحقيقة، وإتاحة التقارير للجمهور والمجتمع الدولي.
الفكرة السيادية:

الحقيقة في سوريا ليست فقط ملكًا للضحايا، بل هي ملك الأمة كلها، لأنها تُعيد امتلاك تاريخها من أيدي القتلة والمزوّرين.

ثانيًا: المحاسبة القضائية – لا شرعية بلا عدالة

إن أخطر ما ارتُكب في سوريا لم يكن في السر، بل في العلن، وتحت غطاء “الشرعية”.
لذا لا يكفي أن نكشف الحقيقة، بل لا بد من محاسبة كل من تلطخت يداه بالدماء، مهما كانت صفته أو انتماؤه أو مكانه السياسي الجديد.

متطلبات هذا الركن:
  • إنشاء نيابة عامة خاصة بالجرائم الجسيمة والانتهاكات المنظمة.
  • تأسيس محاكم وطنية انتقالية مستقلة، ذات صلاحيات فوق مؤسسات الدولة العادية.
  • التعاون مع المنصات القضائية الدولية، دون التخلي عن السيادة الوطنية.
  • استدعاء المتورطين سواء من النظام السابق، أو من القوى العسكرية التي نشأت لاحقًا (بما فيها حكومة الشرع).
  • عدم وجود حصانة لأي شخص، مهما كانت مشاركته في “التحرير” أو “التمثيل السياسي”.
الفكرة السيادية:

المحاسبة ليست فعلًا ضد شخص أو حزب، بل ضد البنية التي جعلت من الجريمة سياسة عامة، ومن الدولة أداة للإفلات.

ثالثًا: تعويض الضحايا – من الجبر الرمزي إلى الإنصاف الشامل

إن إنصاف الضحايا لا يتم بإصدار تقرير أو فتح تحقيق فقط، بل يجب أن يشمل أبعادًا متعددة: نفسية، اقتصادية، قانونية، رمزية، ومجتمعية.

وفي سوريا، حيث تكاد لا توجد عائلة إلا وفيها شهيد أو معتقل أو مفقود، فإن هذا الركن يصبح بمثابة “عقد وطني جديد مع الألم”.

متطلبات هذا الركن:
  • تأسيس صندوق وطني لتعويض الضحايا، يشمل التعويض المادي المباشر، وتوفير الرعاية النفسية والاجتماعية.
  • إصدار شهادات اعتراف رسمية لكل ضحية موثقة.
  • إطلاق برامج إعادة التأهيل الطبي والنفسي والاجتماعي للمعتقلين والناجين.
  • إعادة الاعتبار للمناطق التي تعرّضت للإبادة أو الحصار، عبر خطط إعمار عادلة.
  • الاعتذار الرسمي من الدولة الجديدة، كفعل سياسي وأخلاقي.
الفكرة السيادية:

لا كرامة لدولة لا تعترف بضحاياها، ولا شرعية لسلطة لا تُعيد الحق لأصحابه، وتُرمّم جروح الوطن كجسد واحد.

رابعًا: المصالحة المجتمعية – ترميم العلاقات لا دفن الجرائم

المصالحة لا تعني التسامح مع الجريمة، ولا نسيان ما جرى، بل هي فعل سيادي يرمي إلى التأسيس لتعايش مستقبلي لا يقوم على الإنكار أو الرعب، بل على العدالة والمعرفة والانفتاح.

متطلبات هذا الركن:
  • إنشاء مجالس محلية مستقلة للمصالحة، تمثل مختلف المكونات المحلية والدينية والعشائرية.
  • إطلاق حوار وطني حول معنى المصالحة، ومعاييرها، ومجالاتها وحدودها.
  • تطوير برامج مجتمعية تعيد ربط المناطق والمكونات ببعضها.
  • إطلاق مبادرات إعلامية وثقافية تعزز السردية الوطنية الجامعة لا الفئوية.
  • إدماج فكرة “العفو المشروط” في مراحل متقدمة، بعد المحاسبة.
الفكرة السيادية:

المصالحة ليست تنازلًا عن العدالة، بل هي تتويج لها… فلا غفران قبل الاعتراف، ولا شراكة قبل المحاسبة.

 العدالة الانتقالية السورية – 4 أعمدة رئيسية لمكونات الرؤية التكاملية:

  1. أي تغييب لأحد الأعمدة الأربعة يُفقد العدالة الانتقالية معناها.
  2. تكامل هذه الأعمدة يجب أن يُبنى على مؤسسات مستقلة، وتحت رقابة دستورية وقانونية.
  3. تُعدّ هذه المكونات الأساس التنفيذي لما سيأتي من هياكل وخطط لاحقة.
  4. الموازنة بين كشف الحقيقة والمصالحة، وبين المحاسبة والتعويض، هو مفتاح النجاح في سوريا.   
العدالة الانتقالية السورية ما بعد الاستبداد
العدالة الانتقالية السورية ما بعد الصراع، تثبيت أسسها وإنهاء حالات الإفلات من العقاب، وبناء المصالحة الوطنية على قاعدة الإنصاف والسيادة.

ليست العدالة الانتقالية السورية خياراً سياسيًا، بل ضرورة وجودية إلى أمة خرجت من حقبة االاستبداد أو الحرب. وفي الحالة السورية لا يتعلق الأمر فقط بمعالجة ما جرى منذ عام 2011, بل بتفكيك بنية الإفلات من العقاب التي كانت جز ءاً أساسيًا من بنية النظام، والتي كّرست الجريمة كأداة حكم، والقمع كوسيلة لإخضاع الدولة والمجتمع معًا.

لقراءة نص الملحق الاستراتيجي كامل تفضل بزيارة صفحة الملاحق على المنصة

الملاحق التنفيذية

 

متوسط التقييم
لا يوجد تقييم بعد
spot_imgspot_img