تهديد الـ50 يومًا… كيف ردّت موسكو على ترامب؟
في خطوة مفاجئة تعكس تصعيدا سياسيا غير مسبوق، أصدر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مهلة 50 يومًا لموسكو، مطالباً روسيا بوقف الحرب في أوكرانيا تحت طائلة فرض 100٪ رسوم جمركية ثانوية على الدول التي تتعامل معها إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام خلال تلك الفترة.
الإعلان تزامن أيضا مع وعد الولايات المتحدة بتسليم شحنات أسلحة إضافية إلى أوكرانيا، بما في ذلك منظومات باتريوت المضادة للطائرات .
1. موسكو تُصنّف التهديد كـ”خطير ويتطلب تحليل”
رد الكرملين جاء سريعاً واستدعى حذرًا لافتًا؛ حيث وصف المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، تصريحات ترامب الأخيرة بأنها “خطيرة للغاية” ويجب تحليلها بدقة قبل إصدار أي رد رسمي من الرئيس بوتين ما يعكس محاولة موسكو تظهير الرد بحرفية دبلوماسية، تجنّباً للانزلاق لحرب كلامية مفتوحة.
2. الاتهام بالمناورة: “تهديد مسرحي” لا يثير قلقنا
المزيد من التهكّم جاء من دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، الذي بالغ في السخرية بوصفه تهديد ترامب بأنه “مسرحي” وأن روسيا لم تكترث له . وأضاف عبر حسابه على “إكس” (تويتر سابقًا):
“أصدر ترامب تهديدًا مسرحيًا… أصيبت أوروبا بخيبة أمل، أما روسيا فلم تكترث.”
3. رفض القيم نهائياً: “الإنذارات والمطالب غير مقبولة”
من جانب آخر، وصف نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف المهلة بأنها غير مقبولة، مشيرًا إلى أن روسيا ترفض “بشدة” الأساليب الاستعراضية والتطرف في اتخاذ المواقف .
سياق الردود وتعقيد المشهد
ردود موسكو جاءت بمعان متعددة:
-
تعاطي عقلاني أولاً: الكرملين اختار التصرف بهدوء في البداية، لتقييم مدى التهديد والرد المناسب وفق “تقدير شامل” للأوضاع .
-
تقويض الدعاية: الردود الساخرة مثل تصريحات ميدفيديف تعكس محاولة لتقويض أي تأثير نفسي أو إعلامي للتهديد.
-
رسالة واضحة: رفض الأشكال الخارجية (“المسرحية”) دون تجاهل الحقائق الدبلوماسية، مقدمين عرضًا للاستمرار في الحوار بشرط الاحترام المتبادل وعدم اللجوء للتهديدات الأمنيّة .
“تهديد الـ50 يومًا”دوافع موسكو وراء الرد المدروس:
-
الحفاظ على ماء الوجه الوطني: إن لم ترد موسكو بحزم، قد تضعف أمام التهديدات القادمة من الخارج.
-
استثمار الوقت: إرادة لتقييم أبعاد الرسالة قبل الرد الفعلي، خصوصاً بفترة تهدئة نسبيّة على الحدود.
-
توجيه الرسائل الداخلية: إعلاميًا، كشفت موسكو أنها غير متأثرة، وأنها لن تُركع بسهولة للضغوط الخارجية.
الآثار المحتملة على مسار الحرب
-
تمويل عسكري متزايد لأوكرانيا وتوريد منظومات باتريوت يمثل تحولًا ميدانيًا مهمًا.
-
تهديد ترامب بالرسوم الجمركية يركز الضغط الاقتصادي أيضًا على الدول الوسيطة مثل الهند والصين والبرازيل، التي تعتمد على الطاقة الروسية .
-
الاحتفاظ بالتهدئة الدبلوماسية قد يُبقي الباب مفتوحًا لتفاوض مباشر بين روسيا وأوكرانيا، ولكن بدون شروط مسبقة إلزامية .
الخلاصة: موسكو تختار الحذر والتقويض الديمقراطي
رد روسيا في هذه المرحلة كان متوازنًا بين التجاهل الناعم، والتقييم الصارم، إضافة إلى التقليل الإعلامي من تهديدات ترامب. رغم الأساليب الساخرة، فإن موسكو لم تغلق الباب أمام الحوار، طالما يقوم على أساس الاحترام والوقت الكافي دون ضغوط خارجية صارمة. من الواضح أن موسكو ترى في مهلة “الـ50 يومًا” حركة دعاية أكثر منها خطوة عملية تغيّر في الميدان.
في ضوء تهديد الـ50 يومًا الذي أطلقه ترامب، برزت تساؤلات حقيقية حول مدى فاعلية هذه المهلة في إحداث تغيير على أرض الواقع، خصوصًا مع تمسك موسكو بموقفها الثابت حيال الحرب في أوكرانيا. التصريحات الروسية، سواء الرسمية أو الساخرة، تعكس رفضًا قاطعًا لأي محاولة أميركية لإملاء الشروط على القيادة الروسية، وتُظهر أن الكرملين يتعامل مع المهلة كمجرد خطاب دعائي لا يحمل وزنًا استراتيجيًا.
وبينما يرى البعض أن تهديد ترامب قد يكون مجرد ورقة ضغط انتخابية، تتعامل موسكو معه من زاوية سياسية بحتة، تؤكد من خلالها استعدادها للحوار لكن من موقع ندّي لا من موقع خاضع للابتزاز الدولي. اللافت أن هذا التصعيد ترافق مع خطوات عسكرية ودبلوماسية موازية على جبهات مختلفة، مما يُشير إلى أن الأزمة مقبلة على مزيد من التعقيد، ما لم يتم تحريك المسار التفاوضي بناءً على مصالح متبادلة لا شروط مفروضة.
مع دخول الصراع الروسي الأوكراني عامه الرابع، تبدو المهلات الزمنية والتهديدات الإعلامية، مثل تهديد الـ50 يومًا، غير كافية لإحداث اختراق حقيقي في المشهد المتأزم. فالمعادلة باتت تتطلب أكثر من ضغط أو تسليح؛ إنها بحاجة لإرادة سياسية دولية تؤمن بأن السلام لا يُفرض بالقوة، بل يُصنع بالتوازن. وبينما تراهن واشنطن على استراتيجيات الردع والعقوبات، تراهن موسكو على الصبر الاستراتيجي وتفكك الموقف الغربي.
وفي ظل غياب مبادرات حقيقية من الطرفين، تبقى أوكرانيا ساحة مفتوحة لاختبار النفوذ، والخاسر الأكبر هو الاستقرار العالمي الذي لم يعد يحتمل حروبًا طويلة ولا رهانات انتخابية خطرة. إن الطريق إلى تسوية واقعية لا يمر عبر الإنذارات، بل عبر العودة إلى الطاولة، بندّية، وعقلانية، ومسؤولية.
مصادر
https://www.cbsnews.com/news/trump-tariffs-russia-ukraine-deal-to-end-war/?utm_source=chatgpt.com