موسكو تنجو من الطوق الاقتصادي: كيف فشل الغرب في “خنق” روسيا؟
روسيا تعيش اليوم اختبارًا استراتيجيًا على جبهتين اقتصادية وسياسية،
حيث يُعلَن عن نسخة جديدة من عقوبات الاتحاد الأوروبي لم تكد تنزل حتى تتكشف قدرة موسكو على الصمود والتكيف معه. رغم توقيع الحزمة الثامنة عشرة التي تستهدف النفط والغاز والطاقة والمال، تبدي روسيا ثقة واضحة في مواجهة هذا الحصار، مستخدمة أدوات داخلية وخارجية في إعادة صياغة اقتصادها بعيدًا عن النفوذ الغربي.
انتعاش الروبل رغم الحصار
العلامة الأبرز للقوة الروسية كانت الروبل، الذي تعافى وارتفع أمام الدولار بنحو 45٪ منذ بداية 2025، وصولًا إلى نحو 78 روبل للدولار، ما يعادل مستويات ما قبل الحرب. هذا التعافي، وفق خبراء، كان مدعومًا بقرار موسكو فرض الدفع بالروبل في مبيعات الطاقة للدول غير الصديقة، ما رفع الطلب على العملة المحلية ووقف أي انهيار محتمل.
سقف أسعار النفط: تحدٍّ أم مجرّد مناورة؟
فرض الاتحاد الأوروبي سقفًا سعريًا جديدًا للنفط الروسي عند 47.6 دولار للبرميل، لكنه دفع موسكو لاستخدام “ورقة الطوارئ”
بحسب تقارير، روسيا قادرة على ضبط الميزانية حتى في حال تراجع سعر النفط إلى 20 دولار، مستندة إلى بنية إنتاج محلية قوية وتحالفات ضمن أوبك+ واحتياطات نفطية استراتيجية. وكأنها تقول: “اجعلوا السقف منخفضًا، فنحن لا نرتعب، بل نراه تحديًا قابلًا للتجاوز.”
تحول نحو الجنوب العالمي
في مواجهة تهديدات الغرب، بدأت موسكو بتوسيع علاقتها التجارية مع الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ضمن تحرك نحو “التبادل بدون الدولار”.
كانت الصدمة الحقيقية في الاعتماد على عملات محلية مثل الروبل والروبية والدرهم، لتفكيك الهيمنة الغربية.
هذا التحول ليس فقط استراتيجية مراوغة، بل يشير إلى رغبة روسية في تحجيم الدولار وتوسيع نفوذ ما يُعرف بـ”الجنوب العالمي”، ليصبح اقتصادًا أكثر تعددية وتحملًا لشروط العقوبات.
ثمن الأوروبيين: أمن الطاقة يترنح
خاض الاتحاد الأوروبي معركة فورًا من نوع آخر، فحاول التخلص من الاعتماد على الغاز الروسي بحلول 2027، لكنه اصطدم بصعوبات ملموسة في ألمانيا ودول أخرى.
ألمانيا عادت لاستخدام الفحم، وسلوفاكيا استدعت الفيتو قبل أن تستسلم لتطمينات حول أمن الإمداد.
خسارة أوروبا هنا ليست فقط بيئيًا، بل أمنًا لاغنى عنه، بعد أن توضّح أن حصار روسيا يضربها بقدر ما يضرب موسكو.
نظام مالي بصدمات مفاجئة
رغم الأرقام الرسمية التي تتحدّث عن أرباح بنوك روسية ضخمة، يتقاسم المراقبون مخاوف من تصاعد الديون المتعثرة، بما قد يضطر البنوك الرئيسية لطلب دعم من بنك روسيا المركزي بالإنقاذ.
هذا يثير تساؤلًا: هل التصدي للحصار سيظهر على أنه مناعة اقتصادية، أم أنه تخدير للوضع الحقيقي؟
قراءة أخيرة: هل خسرت أوروبا الحرب؟
نجاح روسيا في تكييف الاقتصاد المؤثر عالميًا خلال عامين من العقوبات المكثفة يشير إلى فشل الحصار الأوروبي في “خنق روسيا اقتصاديًا”.
فالموازنة المرتبطة بالعقوبات تراجعت، النفط ما زال يُصدّر، الروبل واصل قوته، والسوق المالي في دردشة مع الواقع.
الحرب هنا لم تُخسَر بعد، لكن العمق الأوروبي أُصيب بالجراح؛ خاصة في أمن الطاقة وتسريع التحول للبدائل المتجددة ضمن خطة REPowerEU.
بدلًا من أن يكون الضاغط الرئيسي للتفاوض، طالما صمد الاقتصاد الروسي وتكيّف، فإن العقوبات لم تنتزع أي ورقة استراتيجية قد تغير المعادلة في أوكرانيا.
أوروبا تحت الضغط: أزمة الطاقة تدق الأبواب
بينما تبدو روسيا وكأنها استعادت توازنها الاقتصادي، فإن أوروبا تواجه آثارًا متراكمة من العقوبات التي فرضتها بنفسها. فقد أدى الحظر على النفط والغاز الروسي إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل غير مسبوق، خاصة في شتاء 2023 و2024، مما تسبب بأزمات معيشية حادة، وزيادة في معدلات التضخم، واضطرابات في سلاسل الإنتاج في قطاعات أساسية كالصناعة والمواد الغذائية.
ألمانيا، التي لطالما اعتُبرت العمود الفقري الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، اضطرت إلى العودة للفحم بعد إغلاق معظم مفاعلاتها النووية، ما أثار موجة انتقادات من أنصار البيئة. فرنسا رفعت أسعار الكهرباء للمرة الرابعة خلال عامين. أما دول أوروبا الشرقية مثل هنغاريا وسلوفاكيا، فعبّرت عن امتعاضها من الحزم العقابية وهدّدت بتعطيل بعض القرارات في بروكسل.
إلى جانب ذلك، بدأت دول أوروبية كبرى بإعادة النظر في سياسة “فصل الاقتصاد عن الجغرافيا السياسية”، بعدما تبيّن أن الانفصال عن السوق الروسية كلّفها أكثر مما توقعت. فالخسارة لم تكن فقط في الطاقة، بل في النفوذ، وفي تماسك البيت الأوروبي نفسه، الذي بدأت تصدعاته تظهر مع كل قرار عقابي جديد.
المصادر:
-
https://www.wsj.com/world/europe/eu-targets-russia-with-toughest-sanctions-package-in-years-59e49926
-
https://www.businessinsider.com/russia-economy-debt-bank-bailout-bad-loans-rates-ukraine-war-2025-7
-
https://jamestown.org/program/strategic-snapshot-russias-fracturing-economy
-
https://www.cleanenergywire.org/factsheets/germanys-dependence-imported-fossil-fuels