web analytics
القسم السابع – الباب الثاني

الفصل الثالث عشر إعادة الإعمار

من ورشات السلطة إلى استراتيجية سيادية متكاملة

مدخل – الإعمار كمعركة سيادة لا كعملية هندسية

في المفهوم التقليدي، يُختزل “إعادة الإعمار” في كونه مشروعًا عمرانيًا أو هندسيًا يتعلق بإعادة بناء البنية التحتية. لكن في سوريا ما بعد الانهيار، الإعمار ليس مجرد عودة للأسمنت والحجارة، بل هو ساحة حاسمة لإعادة بناء الدولة، واسترداد السيادة، وتوزيع السلطة والثروة من جديد.

كل حجر يُعاد وضعه في مكانه يجب أن يُبنى على أساس شرعي، وكل مشروع إعمار يجب أن يُخضع لمراجعة سياسية–أخلاقية قبل أن يكون هندسية–عمرانية. فالإعمار هنا ليس عملية ترميم لماضٍ مهدوم، بل هو إنتاج لمستقبل جديد.

اولاً: فلسفة الإعمار في مشروع النهضة

إعادة الإعمار في المشروع النهضوي ليست تقنية أو قطاعية، بل رؤية شاملة تربط بين:

  • العدالة المجالية: فلا إعمار لمدينة على حساب ريف، ولا لمركز على حساب الأطراف.
  • السيادة الوطنية: فلا إعمار يُدار من عواصم خارجية، ولا تمويل مشروط بولاءات سياسية.
  • الكرامة المجتمعية: فلا إعمار يُقصي الفقراء أو يُكافئ أمراء الحرب.
  • الاستدامة البيئية والثقافية: فلا مشاريع عشوائية تُدمّر ما تبقّى من موارد أو هوية عمرانية.

إنها فلسفة ترى في الإعمار تجسيدًا للنهضة، لا مجرد استكمال لما دُمّر.

ثانياً: المشكلات التي نواجهها – عراقيل ومخاطر

لكي نفهم التحديات، يجب أن نُشخّص الواقع بدقة:

انتشار شبكات أمراء الحرب التي تسعى للهيمنة على مشاريع الإعمار.

سيطرة شركات مرتبطة بالخارج أو بالفساد الداخلي على العقود الكبرى.

غياب إطار تشريعي عادل ومنظّم لعملية الإعمار.

مركزية القرار في مؤسسات لم تُعاد هيكلتها بعد.

استبعاد المجتمع المحلي من التخطيط والمراقبة.

غموض مصادر التمويل وغياب شفافية الأولويات.

ثالثاً: المبادئ الحاكمة لخطة الإعمار

لا إعمار بدون عدالة: الأولوية للمناطق الأكثر تضررًا والمُهمّشة تاريخيًا.

لا إعمار بدون تمثيل: المجالس المحلية والمجتمع المدني شركاء فعليون في التخطيط.

لا إعمار بدون سيادة: رفض التمويل المشروط، ومراجعة جميع الشراكات الأجنبية.

لا إعمار بدون شفافية: نشر جميع العقود، وتقديم تقارير دورية للمجتمع.

لا إعمار بدون هوية: احترام الطابع العمراني والبيئي والثقافي المحلي.

رابعاً: المسارات التنفيذية المقترحة

أولًا: البنية المؤسسية للإعمار

إنشاء هيئة وطنية مستقلة لإعادة الإعمار، تُشرف عليها سلطة تشريعية منتخبة، وتضم ممثلين عن المحافظات والقطاعات والمجتمع المدني.

تفكيك شبكات الفساد السابقة ومنع أي جهة أمنية–عسكرية من التدخل في مشاريع الإعمار.

دعم البلديات والمجالس المحلية بالأطر التخطيطية والإدارية.

ثانيًا: التمويل

تمويل أولي داخلي عبر مساهمة وطنية سيادية.

صندوق وطني للتمويل يُراقب من قبل هيئة عامة مستقلة.

الانفتاح على التمويل الدولي وفق شروط السيادة وكرامة القرار الوطني.

ثالثًا: التخطيط

وضع خطط عمرانية لا مركزية تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجغرافية–الاجتماعية لكل منطقة.

التركيز على إعادة بناء المرافق الأساسية: الصحة، التعليم، المرافق العامة، النقل.

إدراج البُعد البيئي في كل مراحل التخطيط والتنفيذ.

إعادة الإعمار الثقافي–الرمزي (المكتبات، المعالم، الفضاءات العامة…).

رابعًا: إشراك المجتمع

مؤتمرات تشاركية مفتوحة في كل منطقة قبل أي خطة.

منصات رقمية وواقعية لمراقبة التنفيذ والمساءلة.

برامج تشغيل محلية تُوظّف السكان المتضررين في مشاريع الإعمار.

خامساً: الإعمار كمعركة سيادية ضد مشاريع الاختراق

في الحالة السورية، الإعمار ساحة صراع على السيادة:

بين الداخل والخارج،

بين الدولة والميلشيات،

بين من يريد البناء… ومن يريد إعادة إنتاج السيطرة.

ولهذا، فإن كل خطة إعمار لا تبدأ باستعادة القرار الوطني، ستكون خطة احتلال مقنّع.
وكل مشروع لا يُخضع للعدالة والرقابة… هو مشروع لإعادة تدوير الاستبداد.

ختام الفصل – البناء كفعل تحرر

حين نُعيد إعمار سوريا، نحن لا نبني جدرانًا، بل نُقيم فلسفة:
فلسفة تعتبر السكن كرامة، والبنية التحتية شرطًا للسيادة،
وتوزيع الموارد معيارًا للعدالة،
والحق في المدينة والقرية جزءًا من العقد الوطني.

إنه الإعمار بوصفه هوية جديدة لسوريا… سوريا لا تُبنى على أطلال الفقر والتهميش،
ولا تُدار من غرف المانحين،
بل تُخطّط… وتُحاسب… وتُنجز… من داخل إرادة حرة، ومن قلب مشروع نهضة قابل للتحقق.