web analytics
القسم السابع – الباب الثاني

الفصل الرابع عشر الاقتصاد السياسي السيادي

من اقتصاد الامتياز إلى سيادة الإنتاج والتوزيع

مدخل استراتيجي

لا يمكن للهندسة المؤسسية للدولة النهضوية أن تكتمل دون بناء ركيزة اقتصادية سيادية تنهي عقودًا من الريعية، الفساد، التمركز الطبقي، واحتكار الموارد من قبل السلطة أو شبكات الامتياز. الاقتصاد في سوريا لم يكن قطاعًا إنتاجيًا يرتبط بالعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية، بل كان أداة تسلّط وتوزيع ولاءات وتحالفات، سواء قبل الثورة أو بعدها.

وفي ظل الواقع المتفكك الذي نواجهه اليوم – من سيطرة الميليشيات، إلى العقوبات، إلى انهيار البنية الإنتاجية – لا بد من هندسة اقتصاد سياسي جديد، يرتبط بالمواطن لا بالحاكم، وبالإنتاج لا بالاحتكار، وبالحق لا بالامتياز.

أولًا: خصائص الاقتصاد القديم الذي نرفضه

قائم على الريع والتوزيع لا الإنتاج.

يحتكر الموارد عبر السلطة والمخابرات وشبكات الولاء.

يستخدم الدولة كأداة تمويل للنفوذ وليس كضامن للعدالة.

يعيد إنتاج الامتيازات الطبقية–السياسية لا العدالة الاجتماعية.

منفصل عن الناس، تابع للخارج، بلا سيادة على الموارد.

ثانيًا: أهداف الاقتصاد السياسي السيادي

استعادة الدولة لدورها كمُنظم لا كمالك ولا موزّع للامتيازات.

تمكين المجتمع من الوصول العادل للموارد.

بناء اقتصاد إنتاجي مستدام يضمن الاكتفاء والتحرر من التبعية.

حماية الاقتصاد من المصالح الخارجية، والشبكات الفاسدة، والميليشيات.

ربط الاقتصاد بالعدالة، والمواطنة، والتوزيع المتوازن للثروة.

ثالثًا: المهام العاجلة لبناء الاقتصاد السيادي

تفكيك شبكات الاحتكار المالي والعقاري المرتبطة بالسلطة القديمة.

فرض سيادة قانونية واقتصادية على المناطق الخارجة عن السيطرة الرسمية.

استرداد الأموال المنهوبة داخليًا وخارجيًا ضمن استراتيجية وطنية للعدالة الاقتصادية.

محاربة اقتصاد الظل والمليشيات المسلحة كشروط لبناء السوق الوطني.

إعادة تأسيس منظومة مصرفية وطنية مستقلة عن المحاور الإقليمية.

وضع خطة إنتاجية متكاملة تستثمر في الزراعة، والصناعة، والطاقة النظيفة، والمعرفة.

ترسيخ مبادئ الشفافية والمحاسبة في كل عقود الدولة وعلاقاتها الاقتصادية.

رابعًا: المبادئ الحاكمة للاقتصاد في الدولة النهضوية

السيادة الإنتاجية: الأولوية للمجالات التي تخدم الاستقلال الغذائي والتنموي.

العدالة التوزيعية: الدولة مسؤولة عن تقليص الفوارق الطبقية وتحقيق تكافؤ الفرص.

الاستقلال المالي: لا ارتهان لمساعدات مشروطة ولا انصياع لمراكز الهيمنة الاقتصادية.

تمكين الفئات المنتجة: دعم المرأة، والعمال، والمزارعين، وأصحاب المشاريع الصغيرة.

الديمقراطية الاقتصادية: إشراك المواطنين في الرقابة على المال العام.

استثمار المغتربين: تشجيع رأس المال السوري المهاجر للعودة وفق ضمانات سيادية شفافة.

خامسًا: خطوات تأسيس المنظومة الاقتصادية الجديدة

تأسيس مجلس سيادي اقتصادي يضع الرؤية الكبرى ويمارس الرقابة العليا.

اعتماد موازنة تشاركية تُبنى على الحوار المجتمعي لا على قرارات فوقية.

هيكلة مجلس التخطيط والإنتاج الوطني كهيئة مستقلة عن الحكومة التنفيذية.

تعديل القوانين الضريبية بما يضمن العدالة ويحمي الفئات الأضعف.

إطلاق خطة تنموية لدمج الاقتصاد المحلي في شبكة الاقتصاد الإقليمي المستقل.

إدراج الاقتصاد المعرفي والرقمي ضمن البنية الاستراتيجية للدولة.

سادسًا: التحديات المتوقعة

بقايا النفوذ الاقتصادي لمافيات الحرب والاحتكار.

تدخلات الدول الراعية للفوضى أو الاستقطاب.

ضعف البنية التحتية والقطاع العام بعد سنوات الحرب.

الفجوة بين المناطق المحررة والمناطق الخارجة عن السلطة.

الحاجة لإعادة الثقة بمنظومة الدولة لدى رجال الأعمال والمواطنين.

خاتمة الفصل وخاتمة الباب الثاني:

الاقتصاد السياسي السيادي ليس ترفًا نظريًا ولا برنامجًا مؤجلًا، بل هو جوهر استقلال الدولة ومفتاح العدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي.

ولا يمكن لأي دولة أن تنهض إذا كانت تتحرك باقتصاد مأجور أو مرتهن أو فاسد.
فالسيادة لا تكون بالسياسة فقط، بل تبدأ من الخبز، والدواء، والعمل، والكرامة.
وهذا الفصل ليس نهاية للنقاش، بل بداية لتأسيس منظومة اقتصادية جديدة تُنتج الحياة… لا تستهلكها.