web analytics
القسم السابع – الباب الرابع

الفصل الواحد والعشرون تمكين المرأة

من الخطاب الرمزي إلى البنية الدستورية

 مقدّمة: المرأة ليست هامشًا في مشروع النهضة، بل قلبه النابض

لا يمكن الحديث عن نهضة حقيقية من دون تمكين فعلي للمرأة.
فهي ليست “نصف المجتمع” فقط، بل هي شريكة في إنتاج المعنى، وصانعة للوجدان، ومُهندسة لأجيال المستقبل.
وقد أثبتت المرأة السورية في أحلك الظروف أنها ليست كائنًا تابعًا، بل فاعلٌ قادرٌ، مقاومٌ، ومؤسّس.

لكن عبر عقود، جُعلت المرأة عنوانًا للخطاب لا للسياسات،
وصارت رمزًا للتجميل لا شريكة في التغيير.

آن الأوان لإعادة تعريف موقع المرأة، لا بوصفها “قضية”، بل كجزء أصيل من البنية الدستورية والاجتماعية والسياسية للدولة.

أولاً: من الإقصاء التاريخي إلى الوصاية الحديثة

المرأة في سوريا عانت من تهميش مزدوج: اجتماعي–ثقافي من جهة، وسياسي–قانوني من جهة أخرى.

المنظومات الدينية والعشائرية والتسلطية أنتجت نمطًا من الوصاية الذكورية على المرأة.

الدولة تعاملت مع المرأة كأداة دعائية، عبر اتحاد نسائي تابع، وتمثيل شكلي في البرلمان، وخطاب مزدوج بين الحداثة والوصاية.

الحرب زادت الهشاشة: رغم دخول المرأة ساحات جديدة من العمل العام، إلا أن غياب الحماية والرؤية جعل المشاركة ظرفية، لا تحوّلًا بنيويًا.

ثانياً: المبادئ التأسيسية لتمكين المرأة في مشروع النهضة

المساواة بوصفها أصلًا لا فضلًا: لا امتياز خاص، ولا انتقاص تحت أي ذريعة دينية أو ثقافية أو تقليدية.

التمكين بوصفه وظيفة الدولة: لا “فرصة” تُمنح من النُخب بل سياسات تُبنى في صلب الدستور والإدارة.

المرأة فاعل سياسي لا قضية اجتماعية: لها موقعها الطبيعي في كل مستويات السلطة والقرار.

المرأة شريكة في إعادة بناء الوعي: لا تُختزل في أدوار تقليدية بل تُفسَح لها القيادة وصناعة الرأي العام.

ثالثاً: الاستراتيجيات العملية لتمكين المرأة

على المستوى الدستوري والقانوني:

نصّ صريح في الدستور على المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب الجنس.

إلغاء كل المواد القانونية التي تُرسّخ التمييز في قوانين الأحوال الشخصية، الجنسية، العمل، والميراث.

إقرار قوانين الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، داخل الأسرة وفي المجال العام.

ضمان تمثيل النساء في المؤسسات المنتخبة والتنفيذية والقضائية بنسبة لا تقل عن الثلث، كبداية للعدالة التصحيحية.

على المستوى المؤسسي والسياسي:

إنشاء هيئة وطنية مستقلة لشؤون المرأة، تملك صلاحيات اقتراح السياسات والرقابة على تنفيذها.

تمكين النساء في الأحزاب، النقابات، والإعلام من الوصول إلى مواقع القيادة لا فقط العضوية.

ربط تمكين المرأة بتقارير وطنية دورية تقيس التقدم وتحدّد الفجوات بواقعية ومسؤولية.

على المستوى الثقافي والتربوي:

إصلاح المناهج التعليمية لإزالة الصور النمطية وتعزيز مفاهيم المساواة والتشاركية.

تدريب الكوادر التربوية والإعلامية على خطابٍ غير تمييزي يُسهم في تغيير الذهنية المجتمعية.

تشجيع الفن والثقافة والإنتاج المعرفي النسوي كرافعة للوعي الجمعي حول صورة المرأة وحقوقها.

رابعاً: من صورة المرأة إلى سلطة المرأة

ليس المطلوب “تحسين صورة المرأة” في الإعلام أو السياسة،
بل نقلها من موقع “المُمثَّلة” إلى موقع “المُمثِّلة” للذات وللمجتمع.

فلا قيمة لأي نظام حكم لا ترى فيه المرأة نفسها،
ولا معنى لدستور لا يحفظ للمرأة كرامتها واستقلالها ومكانتها بوصفها مواطنة كاملة الأهلية والحقوق.

خامساً: التمكين الاقتصادي بوصفه مفتاح الاستقلال

خلق سياسات تمويل صغيرة ومتوسطة للنساء، خاصة في المناطق الريفية والمهمشة.

ضمان وصول المرأة لسوق العمل عبر بنى داعمة مثل الحضانات والنقل الآمن والتأمين الاجتماعي.

دعم مشاريع نسائية ريادية في جميع القطاعات، بما في ذلك التكنولوجيا، الزراعة، والصناعات المحلية.

إدراج أولوية المرأة في الخطط الاقتصادية الوطنية بوصفها عنصر إنتاج لا عبئًا على الاقتصاد.

 خاتمة: المرأة ليست أملًا مؤجَّلًا، بل شرطًا للنهضة

لن تكون هناك نهضة في سوريا إذا استمرت المرأة على هامش القرار،
ولا يمكن إعادة بناء وطنٍ منهارٍ دون نصفه النابض بالحياة والفعل.

تمكين المرأة ليس خيارًا حضاريًا فقط، بل ضرورة سيادية واستراتيجية،
وهو جزء لا يتجزأ من مشروعنا لبناء دولة مواطنة وعدالة وسيادة.