web analytics
القسم الثامن – الباب الثاني

الفصل الثامن تأسيس المجلس الوطني لحماية الحقوق والحريات

مقدمة تمهيدية:

إن بناء الدولة على أساس العدالة لا يكتمل بإنشاء المحاكم أو تفعيل العدالة الانتقالية فحسب، بل يتطلب وجود جهاز دائم، مستقل، وفاعل، يتولى مراقبة السلطة، حماية الحقوق، والتدخل عند أي انحراف عن المبادئ الدستورية.

وفي الدولة السورية الجديدة، التي يجب أن تُبنى على أنقاض منظومة امتهنت القمع وأدمنت الانتهاك، فإن تأسيس مجلس وطني لحماية الحقوق والحريات يُمثّل ركيزة استراتيجية في ضمان الاستقرار القانوني، وتعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات، ومنع عودة الانحراف السلطوي من أي باب.

هذا الفصل لا يقدّم تصورًا استشاريًا، بل يُصمّم مؤسسة رقابية فعالة، تمتلك أدوات التدخل، وصلاحيات التحقيق، وقدرة التنسيق مع القضاء والإعلام والمجتمع المدني، بما يجعلها مكوّنًا حيًّا من بنية السيادة، لا مجرد ملحق حقوقي.

أولًا: موقع المجلس ضمن البنية المؤسسية للدولة

يُعد المجلس الوطني لحماية الحقوق والحريات جهازًا سياديًا–رقابيًا مستقلًا، لا يتبع لأي من السلطات الثلاث.

يُنصّ على تأسيسه في الدستور كإحدى أدوات الحوكمة الديمقراطية.

يُمنح صلاحيات التحقيق والتوصية والرقابة والإحالة القضائية في حال وقوع انتهاكات.

يُعد بمثابة الضامن المؤسسي لفاعلية الدستور في حياة الناس.

ثانيًا: الوظائف الأساسية للمجلس – من الرقابة إلى التدخل الفعلي

الرصد والتوثيق:

متابعة أداء مؤسسات الدولة والقطاع الأمني والقضائي والإداري؛

رصد الانتهاكات التي تطال الحريات العامة أو الحقوق الفردية؛

تجميع التقارير والمعلومات من المواطنين ومنظمات المجتمع المدني.

التحقيق والإحالة:

فتح تحقيقات مستقلة في الانتهاكات الجسيمة؛

استدعاء المسؤولين وطلب الوثائق؛

إحالة الملفات إلى القضاء عند توفر أدلة أولية كافية.

المتابعة والرقابة الوقائية:

مراقبة تطبيق القوانين المتعلقة بحرية التعبير، التجمع، التنظيم، الخصوصية، وعدم التمييز؛

إصدار تقارير دورية علنية عن واقع الحريات؛

تقديم ملاحظات تشريعية على مشاريع القوانين المؤثرة على الحقوق.

التواصل والتثقيف المجتمعي:

نشر وشرح الحقوق الدستورية للمواطنين؛

دعم مبادرات التوعية القانونية؛

تدريب الكوادر الحكومية على احترام الحقوق والرقابة المؤسسية.

ثالثًا: التكوين المؤسسي للمجلس

  1. العضوية:

يتكوّن من 15 عضوًا، يعيَّنون عبر آلية مختلطة:

ثلث يُنتخب من قِبل البرلمان؛

ثلث يُرشّح من منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية؛

ثلث يُنتخب من الهيئات القضائية والقانونية.

  1. شروط العضوية:

خبرة مثبتة في الحقوق، القانون، أو العمل العام؛

سجل نظيف من الانتماء لأي جهاز قمعي أو تواطؤ مع سلطات سابقة؛

التفرغ الكامل وعدم الجمع مع أي وظيفة تنفيذية أو حزبية.

  1. رئاسة المجلس:

تُنتخب من داخل المجلس بالأغلبية المطلقة ولمدة ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد؛

للرئيس صلاحيات تنسيقية دون تفرد بالقرار، ويخضع لنفس المعايير الرقابية.

رابعًا: صلاحيات المجلس وآليات عمله

طلب المثول من أي موظف عام؛

الاطلاع على وثائق رسمية، بما في ذلك تقارير أمنية مغلقة ضمن ضوابط دستورية؛

رفع توصيات مُلزمة إلى القضاء أو الجهات التشريعية؛

تقديم طعن دستوري باسم المتضررين أمام المحكمة الدستورية العليا؛

إحالة تقارير انتهاك إلى النيابة العامة الخاصة بحقوق الإنسان؛

التدخل العاجل في حالات الطوارئ لوقف الممارسات المنتهكة للحقوق.

خامسًا: أدوات الحماية والضمانات

يتمتع أعضاء المجلس بحصانة وظيفية مقيّدة لحمايتهم من الضغوط السياسية أو الأمنية؛

يُمنح المجلس ميزانية مستقلة ضمن الفصل المالي السيادي، لا تُحدَّد من قبل الحكومة؛

تُنشأ له مكاتب في جميع المحافظات، ويُفعّل خط اتصال مباشر لتلقي البلاغات؛

تُخصَّص له منصة رقمية رسمية تُنشر عليها كل التقارير، التوصيات، والانتهاكات.

سادسًا: الخطة التنفيذية لتأسيس المجلس

إدراج تأسيس المجلس ضمن القانون الدستوري المؤقت بوصفه أداة انتقالية وضمانة مستقبلية؛

تشكيل لجنة تأسيسية وطنية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من المرحلة الانتقالية لصياغة النظام الأساسي للمجلس؛

إجراء أول انتخابات–ترشيحات لأعضائه خلال 6 أشهر؛

تخصيص مقرّ دائم للمجلس وموازنته التشغيلية ضمن الموازنة العامة الأولى للدولة الجديدة؛

إطلاق أول تقرير وطني لحقوق الإنسان في سوريا الجديدة خلال عام من التأسيس، بوصفه معيارًا رمزيًا وتحويليًا.

خاتمة الفصل:

بإنشاء المجلس الوطني لحماية الحقوق والحريات، نكون قد أرسينا أول جهاز دائم يمثل صوت المجتمع في وجه أي تجاوز للسلطة. فهو ليس أداة قانونية فحسب، بل آلية توازن حيّة تحفظ كرامة الناس، وتحمي معنى المواطنة، وتحرس الدولة من نفسها.

وبهذا، نكمل حلقة الحماية، وننتقل في الفصل التالي إلى إنشاء مفوضية مستقلة متخصصة: مفوضية حقوق الإنسان ونظام الرقابة المجتمعية، بوصفها الامتداد التنفيذي–الميداني لهذه البنية الوطنية للحريات.