القسم الثامن – الباب الثاني
الفصل التاسع إنشاء مفوضية حقوق الإنسان
ونظام الرقابة المجتمعية
مقدمة تمهيدية:
إن أي بنية دستورية تُعلي من شأن الحقوق والحريات لا تكتمل بوجود النصوص أو المجالس العليا، بل تحتاج إلى أذرع تنفيذية تعمل في الميدان، قادرة على الوصول إلى المواطن، ورصد الانتهاكات في لحظتها، وفتح قنوات الاستجابة الفورية، بما يحوّل الحماية من قيمة رمزية إلى ممارسة يومية.
ولهذا، فإن تأسيس مفوضية حقوق الإنسان ليس خيارًا بيروقراطيًا، بل جزء من المنظومة السيادية الوقائية في الدولة السورية الجديدة.
وإلى جانبها، يجب تفعيل نظام رقابة مجتمعية متكامل، يربط بين الفرد والمؤسسة، بين الشكاوى والقرارات، وبين الوعي الحقوقي والعمل الرسمي، على أساس الشفافية، المتابعة، والتقاطع المؤسسي.
أولًا: المفهوم الوظيفي للمفوضية
هي مؤسسة وطنية مستقلة قانونيًا وماليًا وإداريًا، تعمل ضمن إطار الدولة لكن لا تتبع للحكومة.
تُشكّل حلقة الوصل بين المواطن والسلطات عند أي انتهاك للحقوق.
تدمج بين الدور الرصدي (التوثيق)، والدور التفاعلي (التدخل)، والدور الوقائي (الاستباق).
تعمل على تغطية جغرافيا الدولة كاملة، وخاصة المناطق الهشّة والمهمّشة، وضحايا النزاع، والفئات الأكثر عرضة للانتهاك.
ثانيًا: الهيكل التنظيمي للمفوضية
- الإدارة العامة:
تتكوّن من مفوض عام يُنتخب من قِبل مجلس حماية الحقوق، ويُقرّه البرلمان.
تُقسّم المفوضية إلى دوائر تخصصية:
دائرة الحريات العامة؛
دائرة السجناء والمعتقلين؛
دائرة النساء والأطفال وذوي الإعاقة؛
دائرة مراقبة السلوك الأمني والمؤسساتي؛
دائرة التثقيف والتمكين القانوني.
- المكاتب الإقليمية والمحلية:
يتم إنشاء فروع في كل محافظة، ومراكز ميدانية في المدن والمخيمات والمناطق النائية.
ترتبط المكاتب ببنية إلكترونية موحّدة تُجمع فيها البيانات لحظيًا، وتُرسل إلى المركز الرئيسي للتحليل والتوصية.
ثالثًا: الوظائف الأساسية للمفوضية
الرصد الميداني والتوثيق:
مراقبة الأوضاع في السجون والمراكز الأمنية؛
توثيق الاعتقال التعسفي، الاختفاء القسري، التعذيب، التمييز، الحرمان من الحقوق؛
إصدار تقارير دورية مفصلة، ورفعها للمجلس الوطني، والمحكمة الدستورية، والبرلمان.
تلقي الشكاوى ومتابعتها:
تخصيص مكاتب استقبال ووسائل إلكترونية لتقديم الشكاوى الفردية أو الجماعية؛
منح كل شكوى رقم متابعة رسمي؛
التحقيق المبدئي، ثم تحويل الشكوى لجهة مختصة مع المتابعة الملزمة.
الاستجابة العاجلة:
تشكيل وحدات تدخّل ميداني في حالات الطوارئ (اعتقال – قمع – تهديد – تهجير)؛
التواصل مع الأجهزة التنفيذية فورًا، وتوثيق كل تأخير أو امتناع.
تقديم تقرير فوري لمجلس الحقوق وطلب الإحالة للقضاء عند اللزوم.
التوعية والتثقيف الحقوقي:
عقد ورش تدريبية لموظفي الدولة، والمؤسسات الأمنية، والإدارات المحلية؛
إنتاج محتوى إعلامي توعوي حول الحقوق الدستورية وآليات الحماية؛
تنظيم حملات تثقيفية في المدارس، الجامعات، والأماكن العامة.
رابعًا: نظام الرقابة المجتمعية المتكامل
يُنشأ نظام وطني يُسمّى شبكة الرصد الشعبي لحقوق الإنسان، يتكوّن من:
متطوعين مدنيين مدرّبين؛
ممثلي منظمات المجتمع المدني المحلية؛
مخاتير وأعضاء مجالس محلية؛
إعلاميين وناشطين قانونيين.
يخضعون لتأهيل مركزي من المفوضية، ويُمنحون اعتمادًا رسميًا.
يُزوَّدون بتطبيق إلكتروني خاص لتوثيق الانتهاكات، يُفعّل بالتشفير والحماية القانونية.
تُعتمد بلاغاتهم ضمن ملفات رسمية بعد تحقق أولي، وتُعطى الأولوية للتدخل بناءً عليها.
خامسًا: الضمانات والآليات المؤسسية
المفوضية تتمتع بالاستقلال الكامل عن الحكومة ووزاراتها؛
يُجرَّم أي تعطيل أو تهديد لوظائفها أو موظفيها؛
تُقدَّم تقاريرها السنوية مباشرة إلى البرلمان، مع جلسات استماع علنية؛
يُخصَّص لها فصل مستقل في الموازنة العامة؛
يُنصّ على وجودها الدستوري الدائم كأداة رقابية لصون الحقوق.
سادسًا: خطة التفعيل التنفيذي
إصدار القانون التأسيسي للمفوضية ضمن أول حزمة قوانين الحقوق والحريات؛
إطلاق عملية انتقاء المفوض العام من خلال لجنة مستقلة خلال أول 100 يوم من الحكومة الانتقالية؛
افتتاح المكاتب الإقليمية في جميع المحافظات خلال أول سنة؛
إطلاق أول دورة تدريب وطنية للرصد الشعبي الحقوقي ضمن 6 أشهر؛
إصدار التقرير الوطني الأول لواقع الحقوق والانتهاكات في نهاية السنة الأولى، كأساس لتقييم الأداء وتوجيه السياسات العامة.
خاتمة الفصل:
ليست المفوضية مجرد هيئة إدارية، بل هي تجسيد حيّ لسيادة القانون من جهة، ولشراكة المواطن في الرقابة على السلطة من جهة أخرى.
فهي تُنهي حقبة الصمت والخوف، وتفتح حقبة جديدة من الشفافية والرقابة والتنبيه المبكر لأي انحراف.
وبإنشائها، نُكمل هندسة منظومة الحماية، وننتقل إلى بُنية قضائية خدمية شديدة الأهمية في ترسيخ ثقة المواطن، وهي: النظام القضائي الإداري ومحاكم المواطنين، التي سنتناولها في الفصل العاشر.