القسم الثامن – الباب الرابع
الفصل السادس عشر الهيئة الوطنية للطاقة والمياه والبيئة
مقدّمة تمهيدية:
السيادة لا تُقاس فقط بالعلم والحدود، بل تُقاس أيضًا بقدرة الدولة على التحكم بمياهها، وطاقة شعبها، وبيئتها، دون ارتهان للخارج أو احتكار داخلي.
وفي التجربة السورية، شكّلت ملفات المياه والطاقة والبيئة ثلاثي الأزمات الصامتة: من الجفاف إلى التهجير، من انقطاع الكهرباء إلى انهيار الزراعة، ومن التلوّث إلى فقدان الأمن الغذائي والصحي.
ولهذا، فإن تأسيس الهيئة الوطنية للطاقة والمياه والبيئة يجب أن يشكّل نقطة التحوّل في إدارة الموارد الطبيعية بوصفها ملفًا سياديًا استراتيجيًا، لا مجالًا للفساد أو التجاهل أو الإدارة الفوضوية.
هذه الهيئة لا تُبنى كمديرية، ولا كذراع تنفيذية لوزارة، بل كـمؤسسة وطنية عليا شاملة، عابرة للقطاعات، ذات ولاية استراتيجية، تعمل ضمن رؤية استدامة تنموية–سيادية متكاملة.
أولًا: الأهداف السيادية للهيئة
استعادة السيطرة الوطنية على الموارد الطبيعية (مياه، طاقة، بيئة)؛
بناء أمن مائي–طاقي مستدام يحمي السوريين من التبعية أو الانهيار؛
إعادة توزيع الموارد بعدالة جغرافية ومجتمعية؛
تحويل ملف البيئة من عبء هامشي إلى أولوية استراتيجية مرتبطة بالأمن القومي والصحة العامة.
ثانيًا: الاختصاصات العامة للهيئة
تخطيط السياسات العامة لإدارة المياه (الأنهار، المياه الجوفية، السدود، التوزيع الريفي والمدني)؛
الإشراف على سياسات إنتاج وتوزيع الطاقة (الكهرباء، الوقود، الطاقات البديلة)؛
تنظيم سوق الطاقة الوطنية، ومنع الاحتكار أو التلاعب أو الاستغلال السياسي للخدمات؛
إصدار المعايير البيئية الوطنية، ومراقبة الالتزام بها في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات والبناء؛
التنسيق مع المجالس المحلية في المشاريع المستدامة للمياه والطاقة والبيئة؛
مراقبة التلوث، ومتابعة مؤشرات التغيّر المناخي والتدهور البيئي في البلاد.
ثالثًا: البنية المؤسسية للهيئة
- التركيب الإداري:
مجلس إدارة الهيئة: يتألف من 13 عضوًا، يُختارون من بين الخبراء المستقلين في الموارد الطبيعية، الاقتصاد البيئي، الطاقة، القانون، الإدارة الهندسية، وممثلي المجالس المحلية.
يُشرف المجلس على رسم السياسات العليا، واعتماد الخطط، والرقابة على الأداء.
- الدوائر الفنية التنفيذية:
دائرة السياسات المائية الوطنية؛
دائرة الطاقة التقليدية والمتجددة؛
دائرة البيئة وتغير المناخ؛
دائرة الرقابة الميدانية وجودة الخدمات؛
دائرة النزاهة والشفافية المجتمعية؛
دائرة الأبحاث والاستشراف العلمي.
- الوحدات المحلية:
مكاتب في كل محافظة تُعنى بالمتابعة الميدانية، تقديم التقارير، وتلقي الشكاوى والملاحظات.
رابعًا: المبادئ الحاكمة للعمل
الاستقلال المؤسسي: لا تخضع لأي وزارة أو جهاز تنفيذي؛
الشفافية الكاملة: كل البيانات متاحة للجمهور، من كميات المياه إلى الإنتاج الكهربائي إلى نسب التلوث؛
الحق في العدالة المائية–الطاقية: كل سوري له الحق في وصول عادل وآمن للمياه والطاقة دون تمييز؛
الاستدامة لا الاستنزاف: لا يُسمح بأي مشروع يهدد المورد أو البيئة ولو كان مجديًا اقتصاديًا على المدى القصير؛
الرقابة الشعبية والمجتمعية: لكل مواطن أو هيئة حق متابعة أداء الهيئة وتقديم طعون أمام المحكمة الإدارية.
خامسًا: خطة التدرج التنفيذي
إصدار مرسوم تأسيس الهيئة خلال 60 يومًا، متضمنًا إلغاء جميع المديريات السابقة التي كانت تتبع للسلطة الأمنية أو الاحتكارية؛
إطلاق أول خريطة وطنية شاملة للموارد المائية والطاقية خلال 6 أشهر؛
إعادة تقييم كل العقود السابقة مع الشركات الاحتكارية أو الدول الأجنبية بخصوص استغلال الموارد؛
إصدار “الميثاق البيئي الوطني” كوثيقة ملزمة لجميع القطاعات والمنشآت خلال السنة الأولى؛
إطلاق برنامج طاقة شمسية وطنية للمناطق المحرومة كأولوية فورية، وإنشاء أول مراكز بحث بيئي–طاقي مشترك مع الجامعات الوطنية.
خاتمة الفصل:
إن المياه والطاقة والبيئة ليست ملفات فنية، بل هي مداخل للسيادة أو للارتهان. والدولة التي لا تحمي مواردها، لا يمكن أن تحمي مستقبلها.
وبتأسيس هذه الهيئة، لا نستعيد فقط التحكم بالبنى الحيوية، بل نُدخلها في قلب المنظومة السيادية، ونربط بين الوجود الطبيعي والسياسي، بين العدل البيئي والعدالة المجتمعية، وبين الموارد والكرامة.