web analytics
القسم الثامن – الباب الرابع

الفصل السابع عشر تأسيس وكالة السيادة الثقافية والإعلام الوطني

مقدّمة تمهيدية:

حين تُبنى الدولة من جديد، لا يكفي أن تمتلك الموارد والأجهزة، بل يجب أن تمتلك صوتها، وخطابها، ورؤيتها للذات والعالم.
وفي سوريا، شكّلت السيطرة على الإعلام والثقافة أحد أعمدة الاستبداد: إعلام ممجِّد، ثقافة ممسوخة، خطاب قائم على الخوف والتزييف والرقابة. لقد جُرّدت الهوية الوطنية من مضمونها، وتمّت مصادرتها لحساب النظام.

ولهذا، فإن تأسيس وكالة السيادة الثقافية والإعلام الوطني يُمثّل خطوة مركزية في إعادة تعريف سوريا لا فقط كدولة جغرافية، بل ككائن رمزي ووطني، له ذاكرته، وخطابه، وأدواته التعبيرية الحرة.

هذه الوكالة لا تكون وزارةً بيروقراطية، ولا جهازًا دعائيًا، بل هيئة سيادية مستقلة تُعيد الاعتبار للثقافة بوصفها فعلًا اجتماعيًا، والإعلام بوصفه وظيفة معرفية، وتنظّم الحقل الرمزي الوطني ضمن معايير الحرية، النزاهة، والتعدد.

أولًا: أهداف الوكالة ووظيفتها في الدولة الجديدة

إعادة إنتاج المعنى الوطني ضمن خطاب جامع غير إقصائي؛

تحرير الثقافة من هيمنة الدولة والحزب، وتنظيمها ضمن فضاء وطني تعددي مستقل؛

إعادة هيكلة الإعلام بوصفه خدمة عامة لا بوقًا للسلطة؛

حماية الذاكرة الجماعية، وصيانة التعدد الثقافي، وتحفيز الإبداع كجزء من مشروع النهضة.

ثانيًا: اختصاصات الوكالة

رسم السياسات العامة في مجال الثقافة والإعلام والهوية الوطنية؛

الإشراف على المؤسسات الإعلامية العامة، وإعادة هيكلتها وتحييدها عن السلطة التنفيذية؛

تنظيم الفضاء الثقافي الوطني (دور النشر، المعارض، الأنشطة الفنية والمسرحية، التراث اللامادي)؛

تطوير الخطاب الوطني الجامع وإنتاج سردية سورية جديدة تُبنى على الحقائق لا على الإيديولوجيا؛

دعم الإنتاج الثقافي الحر، وتعزيز حضور سوريا في الفضاء العربي والعالمي بصوت مستقل؛

تنظيم العلاقة بين الإعلام والمجتمع، ووضع ميثاق إعلامي وطني جديد؛

مراقبة المحتوى الحكومي والرسمي بما يضمن انضباطه ضمن المعايير السيادية والوطنية.

ثالثًا: البنية المؤسسية للوكالة

  1. المجلس الأعلى للسيادة الثقافية والإعلام الوطني:

هيئة إشرافية عليا تُحدّد السياسات، وتُراجع الأداء، وتراقب الالتزام بالمعايير.

يتكوّن من مفكرين، فنانين، إعلاميين مستقلين، قانونيين، ممثلين عن النقابات الثقافية والمجتمع المدني.

  1. الإدارات التخصصية:

إدارة الإعلام العام: مسؤولة عن التلفزيون الرسمي، الإذاعات، الصحف الحكومية، بوابات الدولة الرقمية.

إدارة الثقافة العامة: تُشرف على المراكز الثقافية، دور النشر، أرشيف الدولة، دعم المشاريع الإبداعية.

إدارة التعدد الثقافي والهوية: تعنى بحماية اللغات، التراث، الخصوصيات الثقافية ضمن الهوية السورية الجامعة.

إدارة المحتوى الرقمي والمعرفة الإعلامية: تطوير الإعلام الجديد، التربية الإعلامية، مواجهة التزييف والخطاب التحريضي.

رابعًا: المبادئ الحاكمة للعمل

الاستقلال: لا تخضع الوكالة لأي سلطة تنفيذية، بل تُراقَب برلمانيًا، وتُدار بمهنية.

الحرية المسؤولة: يُحمى التعبير، لكن يُضبط وفق القانون في مواجهة خطاب الكراهية أو التحريض.

التعدد الثقافي: تُحمى جميع الهويات الثقافية، دون تفكيك للهوية الوطنية الجامعة.

الشفافية والمحاسبة: كل مؤسسة إعلامية عامة تخضع لتقييم الأداء، ونشر ميزانياتها، وتحديد أهدافها سنويًا.

الذاكرة الوطنية المشتركة: يُحظر تزوير التاريخ، أو تغييب الجرائم والانتهاكات، أو احتكار السردية الوطنية.

خامسًا: أدوات التفعيل والتنفيذ

تأسيس المنصة الوطنية للخطاب العام: مركز رقمي تفاعلي يُنتج محتوى وطني جامع، ويُتيح المشاركة المجتمعية في بناء الخطاب.

إنشاء صندوق السيادة الثقافية لدعم المشاريع المستقلة، برعاية الوكالة، بعيدًا عن التمويل السياسي الخارجي.

إطلاق شبكة إعلام وطني عام مستقل (إذاعة – تلفزيون – وكالة أنباء – منصات رقمية)، تُدار بمهنيين لا بموظفين سياسيين.

إلغاء وزارة الإعلام، وتفكيك الأجهزة الرقابية القديمة، وتحويل صلاحيات التنظيم الإعلامي للهيئة الجديدة.

إصدار الميثاق الثقافي والإعلامي الوطني بمشاركة فئات المجتمع كافة.

سادسًا: خطة التأسيس التدريجي

حلّ وزارة الإعلام، وتجميد كافة صلاحيات الرقابة الثقافية–الأمنية القديمة فورًا بمرسوم سيادي؛

إصدار القانون التأسيسي للوكالة خلال 60 يومًا، يتضمّن هيكلها، استقلالها، وأهدافها؛

تشكيل المجلس الأعلى للسيادة الثقافية والإعلام خلال أول 100 يوم؛

إعادة هيكلة الإعلام الرسمي بالكامل ضمن سنة واحدة وفق ميثاق جديد، وفتح باب الانتساب الشفاف؛

إطلاق الخطة الوطنية الثقافية المتكاملة بالتعاون مع المجالس المحلية والجامعات في العام الأول.

خاتمة الفصل:

لا تُبنى الدول بالأجهزة فقط، بل تُبنى أيضًا بالرواية التي ترويها عن نفسها، وباللغة التي تعبّر بها عن آلامها وأحلامها.
وبتأسيس وكالة السيادة الثقافية والإعلام الوطني، تُستعاد السيادة على المجال الرمزي، وتُحمى الهوية من التوظيف، والخطاب من الاحتكار، والذاكرة من المحو.

هكذا، نعيد المعنى إلى سوريا، لا فقط العمران. وننتقل بعدها إلى الفصل الثامن عشر: الهيئة العليا للبحث العلمي والابتكار، بوصفها الحامل المعرفي للمشروع السيادي والنهضوي.