ملاحق مفاهيمية للقسم التاسع
الملحق الرابع ثقافة الخضوع السياسي
من العقل المقموع إلى الفعل السيادي
مقدمة تحليلية:
في صلب مشروع النهضة السورية، لا يُعد إسقاط النظام السياسي كافيًا لتحقيق التحرر، إن لم يُرفق بتحرير العقل الذي شكّلته المنظومة السلطوية على مدار عقود. فالثقافة السياسية التي أنتجها الاستبداد ليست مجرد نتائج لسلطة قائمة، بل أدوات لإعادة إنتاجها، تتغلغل في وعي الفرد، وتُفرغ المفاهيم من معناها، وتحوّل المواطنة إلى تبعية، والسيادة إلى صمت، والحرية إلى تهديد.
لا يمكن لبنية سياسية جديدة أن تقوم على ذات التربة النفسية والعقلية التي رسّخها النظام القديم. لذلك، يأتي هذا الملحق ليُحلل ويُفكك بنية الخضوع السياسي كما تشكلت في سوريا، ويقترح خطوطًا عملية وثقافية وتربوية لتجاوزها، ضمن رؤية مشروع النهضة الذي لا يكتفي ببناء مؤسسات، بل يعيد تأسيس المعنى السياسي للفرد والمجتمع.
أولًا: تشريح الخضوع بوصفه بنية ذهنية لا مجرد سلوك
- الخضوع السياسي ليس موقفًا عابرًا بل ثقافة مزروعة في بنية اللغة، والمدرسة، والدين، والمؤسسة، والعائلة.
- جوهر هذه الثقافة هو نزع الإرادة الحرة من الإنسان، واستبدالها بمنطق الطاعة كشرط للنجاة والقبول.
- يتجلى هذا الخضوع في مفردات الحياة اليومية، في العلاقات الرسمية، وفي طبيعة التعبير، وفي مفهوم “الشرعية” ذاته.
ثانيًا: جذور الخضوع في التجربة السورية
- التنشئة الطفولية القائمة على القمع لا على الحوار.
- المدرسة كأداة تلقين وترهيب لا كمساحة نقد ومعرفة.
- الإعلام الموجَّه الذي يُنتج خطاب الطاعة والامتثال.
- الحضور الشمولي للأجهزة الأمنية في الحياة اليومية.
- تسليع الدين وتحويله إلى تبرير سلطوي للطغيان.
ثالثًا: نتائج الخضوع على بنية الدولة والمجتمع
- تفكيك الحس النقدي، وتجريم السؤال.
- تحوّل المواطن إلى كائن مشروط بالأمر لا بالشراكة.
- انهيار الفضاء العام، وتحوله إلى مرآة للسلطة لا ساحةً للتعدد.
- إنتاج استقرار زائف قائم على القمع، وانفجار مؤجَّل عند غياب الرقيب.
رابعًا: استراتيجية مشروع النهضة لتفكيك ثقافة الخضوع
- إعادة بناء المعجم السياسي الوطني: – تحرير مفاهيم مثل “الدولة”، “القيادة”، “الوطن” من معناها السلطوي.
- إدماج الفلسفة والتفكير النقدي في التعليم الأساسي.
- إعادة هيكلة الإعلام ليكون وسيلة مساءلة لا تمجيد.
- ربط السلطة بالمساءلة لا بالمهابة.
- إنتاج رمزية جديدة للشرعية تقوم على تمثيل الإنسان لا إخضاعه.
خامسًا: الخطوات العملية لمواجهة ثقافة الخضوع
- إدراج وحدات دراسية حول المواطنة الفاعلة وحقوق الإنسان.
- إطلاق حملات وطنية للتثقيف السياسي المجتمعي.
- تمويل الإنتاج الثقافي المستقل (المسرح، الأدب، السينما) الذي يُعالج مفهوم السلطة والخوف.
- حماية كل أشكال التعبير الحر في القانون، ومواجهة خطاب التخوين الرسمي والمجتمعي.
- إعادة تعريف مفهوم الاحترام السياسي ليقوم على الإنجاز لا على الولاء.
خاتمة الملحق:
في دولة النهضة، لا قيمة لمؤسسة إن لم تُحرر الإنسان من الخضوع الذي حوّله إلى أداة في يد السلطة. فالنهضة تبدأ من الداخل، من اللغة، من الشعور، من العلاقة بالذات، وبالآخر، وبالدولة.
حين يملك السوري القدرة على أن يقول “لا” دون خوف، ويطرح السؤال دون عقاب، ويفكّر دون وصاية، يصبح مشروع النهضة ممكناً.
لا دولة دون مواطن سيادي، ولا سيادة دون تفكيك ثقافة الطاعة. وهنا يبدأ البناء الحقيقي.