القسم العاشر – الباب الأول
الباب الأول استدامة النظام السياسي الديمقراطي
(من التحول الانتقالي إلى الترسّخ المؤسساتي طويل الأمد)
في مرحلة ما بعد الاستبداد والانهيار، لا يكفي أن تُعلَن الديمقراطية، أو تُعقَد انتخابات، أو يُكتب دستور جديد، فكل هذه اللحظات مهما بدت واعدة، تبقى هشة وقابلة للنكوص إن لم تُترجَم إلى نظام سياسي قابل للاستدامة.
والاستدامة هنا لا تعني فقط بقاء الهياكل، بل ترسّخ المضمون الديمقراطي في الثقافة السياسية، والمؤسسات، والعلاقات بين الدولة والمجتمع.
لقد اختبرت سوريا عبر تاريخها محاولات سياسية متعددة للتحديث السياسي، لكنها بقيت محصورة بين عسكريتاريا الانقلابات، وشكلانية برلمانية غير تمثيلية، وشرعية مدّعاة بلا مساءلة.
وحين انفجرت الثورة، لم يكن ذلك فقط ضد القمع، بل ضد الغياب العميق لأي نمط ديمقراطي في الحكم، ضد الانفراد، والتوريث، وإفراغ السياسة من مضمونها.
إن مشروع النهضة لا يهدف فقط إلى إسقاط منظومة استبدادية، بل إلى بناء نظام سياسي مستدام، يتجاوز لحظة الانتقال، ويمنع ارتداد الثورة إلى فوضى أو ديكتاتورية جديدة، ويؤسس لتوازن دائم بين السلطة والمجتمع، بين القرار والمساءلة، بين الحق والقوة.
ولأجل ذلك، لا بد من التفكير في شروط الاستدامة السياسية بوصفها عملية تراكمية:
– تبدأ من التأسيس الدستوري الرصين،
– وتمُرّ عبر منظومة قانون انتخابي تمثيلي،
– وتُبنى على ثقافة حزبية تعددية غير طائفية،
– وتحميها مؤسسات رقابية وقضائية مستقلة،
– وتُرفدها إعلام حر ومجتمع مدني نشط،
– وتتجذر في وعي عام يعتبر الديمقراطية ممارسة حياتية لا حدثًا مؤقتًا.
في هذا الباب، نعيد تفكيك العقبات التي واجهت الترسّخ الديمقراطي في سوريا تاريخيًا، ونقدّم الأسس الفكرية والمؤسساتية اللازمة لضمان ديمقراطية قابلة للحياة، لا محكومة بلحظة أو نخبة أو توافق عابر.
فاستدامة النظام السياسي الديمقراطي ليست رفاهية، بل الضمان الأساسي لوحدة سوريا، وسلامها الداخلي، وشرعية مؤسساتها، ومناعة مجتمعها من التفكك أو العسكرة أو إعادة إنتاج السلطة الفوقية.
وهنا، يُطرح سؤال النهضة الحقيقي:
كيف نمنع الانتقال من أن يصبح دوّامة؟
وكيف نجعل الديمقراطية تجربة حاكمة لا طموحًا مؤجلاً؟
وكيف تُؤسَّس شرعية لا تُستمد من البندقية أو المال أو الخارج، بل من الناس، ومن القانون، ومن المشاركة الفعلية؟
هذا الباب هو إجابتنا الأولى عن تلك الأسئلة.
هل أبدأ بصياغة الفصل الأول منه؟
القسم العاشر - فصول الباب الأول
استدامة النظام السياسي الديمقراطي