web analytics
القسم العاشر – الباب الثاني

الفصل السابع العدالة الضريبية والسياسات المالية

من العشوائية إلى الوظيفة الاقتصادية للضريبة

تحويل النظام الضريبي من أداة جباية إلى أداة إعادة توزيع وتنمية اقتصادية عادلة

 أولًا: المشكلة الهيكلية – الضرائب كعبء قهري لا كأداة وطنية

مارس النظام السوري لعقود طويلة سياسة مالية تقوم على نهج الجباية الأمنية والانتهازية الاقتصادية، حيث فُرضت الضرائب دون معيار واضح، وغابت العدالة، وتم استثناء القوى النافذة، وتحولت مؤسسات الدولة المالية إلى أداة ابتزاز وتفقير بدل أن تكون أداة إنتاج وتوزيع.

ومع غياب أي منظومة شفافة للتصريح والدفع والمراقبة، وتضخم الاقتصاد غير الرسمي، وغياب أي فلسفة اقتصادية تربط الجباية بالتنمية، أصبح النظام الضريبي في سوريا عامل إفقار، ونقطة صدام بين المواطن والدولة، ومصدرًا لتكريس الفساد والتفاوت.

 ثانيًا: التحديات الكبرى في النظام الضريبي والمالي

غياب العدالة الضريبية بين الفئات والمناطق والقطاعات.

تهرّب الأغنياء والنافذين، وتحميل العبء الأكبر على الفئات الفقيرة والمتوسطة.

تعقيد القوانين وكثرتها، ما يفتح الباب أمام التلاعب والفساد.

ضعف التحصيل، وغياب الثقة بالمؤسسات المالية.

غياب أي وظيفة تنموية أو تصحيحية للسياسات المالية.

 ثالثًا: منطلقات الإصلاح – الضريبة كأداة للعدالة والإنتاج والتوازن

إصلاح السياسة الضريبية لا يبدأ من رفع النسب أو تعديل الشرائح، بل يبدأ من إعادة تعريف فلسفة الضريبة، بحيث تصبح:

أداة إعادة توزيع الثروة، لا تحصيلها لمصلحة أقلية.

وسيلة لتحفيز الإنتاج لا كبحه.

أداة لضبط التفاوتات وتنظيم العلاقة بين المركز والمجتمع.

وسيلة لربط المواطن بالدولة عبر منطق الشفافية والعدالة والمساءلة.

 رابعًا: خارطة العمل لبناء نظام ضريبي عادل ومنتِج

1. إعادة صياغة القانون الضريبي وفق مبادئ العدالة الشاملة

توحيد القوانين الضريبية تحت مرجعية واحدة منضبطة.

إلغاء الاستثناءات الخاصة والمحسوبية، وتعميم مبدأ المساواة في الالتزام.

اعتماد مبدأ التصاعد في الضرائب على الدخل والثروة.

2. تحقيق التوازن الجغرافي والقطاعي في الجباية

توزيع العبء الضريبي وفق نسب الدخل المحلي ونشاط القطاع في كل منطقة.

ربط الخريطة الضريبية بالخريطة التنموية لضمان الإنصاف والمردود المحلي.

استثناء المناطق المتضررة والمهمّشة مؤقتًا من بعض الضرائب، دون إلغاء الالتزام مستقبليًا.

3. دمج الضريبة بالسياسة التنموية

تخفيض الضرائب عن القطاعات الإنتاجية الأساسية (زراعة، صناعة تحويلية، حِرف).

فرض ضرائب أعلى على الأنشطة الريعية أو المضاربة أو المضرّة بالمجتمع.

تحويل جزء من العائدات الضريبية مباشرة إلى صناديق إنمائية محلية.

4. تحسين آليات التحصيل والمراقبة والشفافية

رقمنة النظام الضريبي بالكامل لوقف الفساد والمحسوبيات.

تشكيل هيئة رقابة مالية مستقلة مرتبطة بالبرلمان، لمراقبة الأداء الضريبي.

إنشاء قاعدة بيانات وطنية موحدة للدخل والثروة والأنشطة التجارية.

5. بناء العلاقة الضريبية على الثقة والمساءلة

نشر موازنة الدولة بشفافية، وربط الضرائب بمصير الخدمات العامة.

منح المواطن حق الاعتراض والمراجعة، وإنشاء محاكم مالية مستقلة.

تعزيز دور النقابات والمجتمع المدني في مراقبة التزام الدولة بإنفاق الضرائب في محلّها.

 خامسًا: البرنامج التنفيذي المرحلي

  • المرحلة الأولى (أشهر 0–12)

إعداد “قانون الضريبة الوطنية الموحدة”.

إلغاء القوانين المتناقضة، وإطلاق نظام التقييم الضريبي الجديد.

تدشين الهيئة الوطنية للرقابة المالية.

  • المرحلة الثانية (سنة 1–3)

رقمنة النظام الضريبي وتحويل جميع العمليات إلى بيئة إلكترونية.

ربط الضرائب بالسياسات التنموية محليًا ومركزيًا.

تطبيق قانون التصاعد الضريبي على الثروات والعقارات الكبرى.

  • المرحلة الثالثة (ما بعد 3 سنوات)

مراجعة شاملة للأثر الاجتماعي والاقتصادي للنظام الضريبي.

مواءمة النظام مع تحولات الاقتصاد المحلي (رسمي–غير رسمي).

إدراج العدالة الضريبية كمؤشر رسمي لتقييم أداء الحكومات.

سادسًا: العدالة الضريبية شرط للتماسك الوطني لا مجرد مسألة مالية

لا يمكن بناء عقد اجتماعي جديد دون إعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة في المال العام.
فالضريبة ليست “مخالفة” ولا “جزية”، بل هي تعبير عن المواطنة الاقتصادية، وأداة لتجسيد الانتماء، وضمان التوزيع العادل للثروة، وتحقيق الاستقرار المجتمعي.

وفي سوريا الجديدة، لن تكون الضرائب وسيلة إذلال أو تمويل لحفنة من المنتفعين، بل أداة سيادية–تنموية–أخلاقية تعكس مستوى العدالة والاستقرار والشرعية في الدولة.