web analytics
القسم العاشر – الباب الرابع

الباب الرابع الآليات المؤسسية للمتابعة والتصحيح

مقدمة تأسيسية:

من وهم الاكتمال إلى ثقافة المراجعة وبنية التعديل المستمر

ليست الدولة السيادية، ولا الديمقراطية الحقيقية، ولا النهضة المستدامة، كائنات تُبنى ثم تُترك لتستمر تلقائيًا.

فكل مشروع، مهما كان عادلًا أو متينًا، يظل عرضة للانحراف أو الجمود أو التآكل إن لم يُدعَم بآليات مؤسسية دائمة للمراجعة والتقييم والتصحيح، تكون جزءًا من بنيته لا ملحقًا خارجيًا عليه.

لقد عانت سوريا، في العقود السابقة، من غيابٍ شبه تام لثقافة الرقابة والمساءلة،

فالدولة كانت معصومة، والسلطة فوق النقد، والخطط تُنفّذ بلا تقويم، والقوانين تُفرض بلا مراجعة، والقرارات تُؤخذ في الظلّ دون أدوات تصحيح.

ومع ترسيخ هذه العقلية، جرى إقصاء المجتمع عن المتابعة، وتهميش البرلمان، وتدجين الإعلام، وإخضاع القضاء، حتى أصبحت الدولة هي مرجع نفسها، وحَكم نفسها، وشاهد زورٍ على نفسها.

مشروع النهضة يُعلن قطيعة جذرية مع هذا النمط.

فهو لا يطمح فقط إلى بناء مؤسسات جيدة، بل إلى بناء مؤسسات قادرة على تقييم ذاتها وتصحيح مسارها، وإنتاج التجديد من داخلها، دون الحاجة لانهيار جديد أو ثورة أخرى.

في هذا الباب، يتم التركيز على المأسسة الواعية للمراجعة:
كيف نجعل من التقييم فعلاً دوريًا لا أزمة؟
ومن الرقابة مسارًا دستوريًا لا انتفاضة؟
ومن النقد وسيلة تطوير لا أداة هدم؟
ومن تصحيح السياسات فعلًا وطنيًا لا اعترافًا بالفشل؟

إننا هنا ننتقل من منطق “بناء الدولة” إلى منطق “صيانتها وتجديدها”،
ومن منطق الاحتفال بالإنجاز، إلى ثقافة يقظة مستمرة لا تعتبر أي مؤسسة مكتملة ولا أي قرار منزهًا.

فلا مشروع نهضوي بدون تصحيح،
ولا سيادة مؤسساتية دون مراجعة،
ولا شرعية دائمة دون رقابة متجذّرة،
ولا مستقبل بدون أن نطرح كل يوم سؤالًا جوهريًا:
هل ما زلنا على الطريق؟ وما الذي يجب أن نُعدّله كي لا نعود إلى الوراء؟

 

القسم العاشر - فصول الباب الرابع - الآليات المؤسسية للمتابعة والتصحيح