القسم العاشر – الباب الرابع
الفصل السادس عشر المجتمع المدني الرقابي
من التوعية إلى الشراكة الحقيقية في الإصلاح
تحويل الفاعلية المدنية إلى عنصر دستوري فاعل يراقب، يقترح، ويصوّب المسار العام ضمن منظومة الدولة
أولًا: الإشكالية – من التحريم إلى الاستغلال
لم يعترف النظام السوري بالمجتمع المدني كفاعل مستقل، بل:
قمَع كل تعبير مدني مستقل خارج الأطر السلطوية.
حوّل بعض الجمعيات إلى أدوات أمنية أو واجهات حزبية.
وظّف العمل الأهلي للتلميع الخارجي دون تمكينه داخليًا.
وحين انهار الغلاف السلطوي، انفجرت عشرات المبادرات المدنية، لكنها ظلت دون إطار مؤسسي، ودون اعتراف قانوني، ودون آليات تأثير فعلي في السياسات العامة.
وبغياب العلاقة المؤسسية بين الدولة والمجتمع المدني، بقيت الرقابة المجتمعية شكلية، وانتشرت الفوضى التمثيلية، وانقسمت المبادرات بين الاحتجاج العاطفي أو التبعية السياسية.
ثانيًا: التحديات البنيوية أمام تفعيل الدور الرقابي للمجتمع المدني
ضعف الإطار القانوني والتنظيمي الذي يضمن استقلالية وفاعلية العمل المدني.
الخوف المتبادل بين الدولة والمجتمع من التداخل أو التسييس.
تشتّت المبادرات، وغياب التنسيق أو المنصات الوطنية الموحدة.
محدودية الموارد البشرية والمادية، وانعدام الحماية القانونية.
استبعاد المجتمع المدني من عمليات التخطيط، التقييم، أو المتابعة المؤسسية.
ثالثًا: الرؤية الجديدة – المجتمع المدني شريكٌ لا خصمٌ
في سوريا النهضة، يُعاد تعريف المجتمع المدني كجزء من منظومة الدولة، لا ككائن موازٍ لها، من خلال:
الاعتراف بدوره كفاعل رقابي، معرفي، تشاركي، مقترح، ومقيّم.
إشراكه في السياسات لا بعد تنفيذها فقط، بل في صياغتها ومراقبتها.
حمايته من الاستقطاب السياسي، وتحصينه ضد الاختراق السلطوي أو الخارجي.
تحويله إلى وسيلة بناء اجتماعي مستدام، لا مجرد منصة توعية أو استغاثة.
رابعًا: خطوات العمل لبناء مجتمع مدني رقابي شريك وفاعل
1. تأسيس الإطار الدستوري والقانوني للعمل المدني المستقل
الاعتراف في الدستور بـ”الحق في التنظيم والعمل المدني المستقل”.
إصدار قانون جمعيات جديد يحرر المجتمع المدني من الوصاية الأمنية والإدارية.
إنشاء هيئة وطنية لتنظيم المجتمع المدني، مستقلة عن الحكومة.
2. إدماج المجتمع المدني في منظومة الرقابة والتخطيط
تخصيص مقاعد للمجتمع المدني في المجالس الرقابية والاستشارية الحكومية.
تمكينه من تقديم ملاحظات وتوصيات رسمية في السياسات العامة.
اعتماد منهجية “الرقابة المجتمعية” ضمن آليات تقييم الأداء الحكومي المحلي والمركزي.
3. بناء شبكات مدنية مستقلة متخصصة
دعم بناء اتحادات وجبهات منظمات بحسب القطاعات (تعليم – صحة – بيئة – شفافية…).
تمويل منصات إلكترونية للرصد المجتمعي المفتوح وتحليل البيانات الحكومية.
تدريب المنظمات على أدوات المتابعة والتحقق والتقييم والسياسات العامة.
4. تحصين المجتمع المدني من التسييس والتبعيات
منع تبعية المنظمات للأحزاب أو الكيانات السياسية.
إخضاع التمويل للشفافية، دون التضييق، مع حماية حق المجتمع المدني في التمويل الوطني والدولي.
تعزيز الرقابة الذاتية للمجتمع المدني عبر مواثيق شرف ومجالس تأديب مهنية.
5. مأسسة العلاقة التشاركية بين الدولة والمجتمع المدني
توقيع اتفاقيات شراكة دورية بين الوزارات والمنظمات.
إطلاق برامج وطنية تشاركية لتصميم السياسات بناء على رؤى المجتمع المدني.
جعل المشاركة المجتمعية شرطًا لصياغة الموازنات المحلية والبلدية.
خامسًا: الخطة التنفيذية المرحلية
- المرحلة الأولى (أشهر 0–12)
صياغة القانون الوطني الجديد للجمعيات والعمل المدني.
إطلاق سجل وطني شفاف للمجتمع المدني مع ضمان الحريات والاستقلال.
تشكيل هيئة وطنية مستقلة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني.
- المرحلة الثانية (سنة 1–3)
إدماج المجتمع المدني في التقييم الدوري لأداء الخدمات الحكومية.
إطلاق أول منصة مفتوحة للرصد المجتمعي للسياسات والميزانيات.
تدريب آلاف الناشطين على أدوات الرقابة والتحليل المدني الاستراتيجي.
- المرحلة الثالثة (ما بعد 3 سنوات)
تحويل المجتمع المدني إلى شريك دائم في إدارة البرامج الوطنية التنموية.
مأسسة آليات تقييم الأثر الاجتماعي والسياسي للمنظمات غير الحكومية.
إصدار أول تقرير وطني مشترك بين الحكومة والمجتمع المدني حول مؤشرات الإصلاح.
سادسًا: المجتمع المدني بوصفه ميزان الشرعية ومحرّك التصحيح
في سوريا الجديدة، لن يكون المجتمع المدني هامشيًا، ولا تابعًا، بل محرّكًا للوعي، ومُنذِرًا بالأزمات، وشريكًا في البناء، وحارسًا لكرامة الناس ومصالحهم العامة.
إن تفعيل المجتمع المدني الرقابي ليس ترفًا ديمقراطيًا، بل شرط وجود لدولة عادلة، مرنة، قابلة للتصحيح الذاتي، ومؤسسة على المشاركة لا الانفراد.