web analytics
القسم العاشر – الباب الخامس

الفصل العشرون مأسسة العلاقات مع الشتات السوري

من الانقطاع إلى الامتداد الوطني

تحويل السوريين خارج الوطن من ضحايا اغتراب إلى شركاء استراتيجيين في إعادة بناء الدولة والنهضة الوطنية

 أولًا: الإشكالية – من النفي السياسي إلى التهميش المؤسسي

في ظل الاستبداد، لم يكن وجود السوريين في الخارج مسألة وطنية، بل تهديدًا أمنيًا يُعامل بريبة، وتُدار علاقته عبر أجهزة المخابرات أو أجهزة الجباية.

ومع اندلاع الثورة، تحوّل الشتات إلى:

موضوع للمراقبة أو المزايدة أو التجاهل، حسب موقعه من الصراع.

مُنظّمات وجاليات تعمل بمعزل عن الدولة أو ضدّها.

قوة بشرية ومالية ضخمة بقيت خارج أي إطار سيادي جامع.

والنتيجة: انقطاع وجداني، وغربة قانونية، واستنزافٌ لإمكانات كفيلة بتسريع النهوض الوطني لو أُحسن استثمارها.

 ثانيًا: التحديات البنيوية أمام استعادة العلاقة بالشتات

انعدام الثقة المتبادل نتيجة التراكمات السياسية والانتهاكات السابقة.

غياب أي بنية مؤسسية أو قانونية تسمح بالتمثيل والمشاركة.

تشتّت الجاليات والمؤسسات، وغياب مظلة تنسيقية جامعة.

الارتباط القسري للكثير من السوريين بجنسيات أو أنظمة أخرى.

غياب خطة وطنية للاستفادة من الموارد البشرية والمالية والمعرفية للشتات.

 ثالثًا: الرؤية الجديدة – الشتات كامتداد سيادي ورافعة نهضوية

في مشروع النهضة، يُعاد تعريف الشتات السوري لا كملف خارجي، بل كمكوّن عضوي من الشعب والوطن والسيادة، وذلك من خلال:

مأسسة العلاقة عبر بنى قانونية–سياسية–اقتصادية–ثقافية شاملة.

تحويل المغترب من متبرّع إلى شريك، ومن متفرّج إلى مشارك.

بناء آليات تضمن انخراطه المستمر في صياغة السياسات وإعادة الإعمار وتمثيل المشروع الوطني.

 رابعًا: خطوات العمل لمأسسة العلاقة مع الشتات السوري

1. إقرار مبدأ “الوطن الممتد” في الدستور

الاعتراف الدستوري بالشتات كجزء من الشعب السوري له كامل الحقوق والواجبات.

النص على الحق في التمثيل السياسي والانتخابي للشتات.

إدراج الشتات في الاستراتيجية الوطنية للتنمية والبناء والدبلوماسية.

2. تأسيس البنية المؤسسية الرسمية للعلاقة مع الشتات

إنشاء “المجلس الوطني لشؤون السوريين في الخارج”، هيئة مستقلة ترتبط برئاسة الحكومة والبرلمان.

إطلاق منصة رقمية موحّدة تجمع كل الجاليات والمنظمات السورية في الخارج.

فتح مكاتب تمثيل دبلوماسي مخصصة حصريًا للتواصل المجتمعي مع الشتات، لا للمهام القنصلية فقط.

3. ضمان المشاركة السياسية والثقافية والقانونية للشتات

تمكين السوريين في الخارج من التصويت والترشح للبرلمان عبر آليات إلكترونية وسفارات.

إصدار بطاقة هوية سيادية للشتات تتيح له حقوق المواطنة الكاملة.

إدراج الشتات في اللجان الوطنية الكبرى المعنية بالتخطيط الاستراتيجي، الدستور، والمصالحة.

4. تحفيز الاستثمار والتنمية المعرفية من الشتات

إنشاء صندوق سيادي مشترك مع رجال الأعمال السوريين في الخارج لدعم المشاريع الوطنية.

منح إعفاءات وتسهيلات قانونية وضريبية للمشاريع التي ينفذها السوريون المغتربون.

فتح مجالات التبادل الأكاديمي والعلمي والابتكاري مع الجامعات ومراكز الأبحاث في الخارج.

5. إعادة بناء الرابط الرمزي والثقافي مع الجيل الثاني والثالث من الشتات

إطلاق برامج تعليمية وثقافية رقمية تربط الأطفال واليافعين السوريين في الخارج بالهوية الوطنية.

تنظيم زيارات دورية إلى الداخل ضمن برامج “سوريا تتذكركم”.

إنتاج محتوى إعلامي وفني موجه للشتات يعكس مشروع سوريا الجديدة لا سرديات الماضي.

 خامسًا: الخطة التنفيذية المرحلية

  • المرحلة الأولى (أشهر 0–12)

إصدار القانون التأسيسي للمجلس الوطني لشؤون السوريين في الخارج.

تدشين المنصة الرقمية الوطنية للشتات.

فتح قنوات تواصل فوري مع الجاليات والمنظمات السورية حول العالم.

  • المرحلة الثانية (سنة 1–3)

تنظيم أول مؤتمر وطني–عالمي للجاليات السورية: “شتات واحد، وطن واحد”.

تفعيل آليات الاقتراع الإلكتروني للانتخابات البرلمانية في الخارج.

توقيع اتفاقيات شراكة مع المنظمات الأكاديمية والبحثية التي يقودها سوريون.

  • المرحلة الثالثة (ما بعد 3 سنوات)

تحويل الشتات إلى جزء دائم من السياسات العامة والموازنات الوطنية.

إنشاء بنك وطني للمعلومات والخبرات والمشاريع المقترحة من الشتات.

إصدار أول تقرير سنوي رسمي عن “أثر الشتات السوري في النهضة الوطنية”.

 سادسًا: الشتات السوري – الحاضر في الغياب، والمكمل للوطن

سوريا لا تنتهي بحدودها الجغرافية.

وفي عالم معولم، لا يمكن لمشروع نهضوي أن ينجح دون استعادة الطاقات التي خرجت، وصون ما تبقى من الروابط، وبناء جسور العزة والانتماء من جديد.

الشتات ليس بديلاً عن الداخل، لكنه امتدادٌ له، رئة أخرى للوطن، ومخزون لا ينضب من الخبرة والولاء والقدرة على المساهمة.