القسم الثاني عشر – الباب الأول
الفصل الثاني هندسة السياسة الخارجية
والعلاقات العربية والدولية لسوريا الجديدة
مدخل تأسيسي:
حين تنهض الأمم من حطام الاستبداد والحرب، تكون السياسة الخارجية هي المرآة الأولى التي يطالعها العالم ليرى
ملامح الدولة الجديدة.
فلا قيمة لإعادة الإعمار الداخلي ما لم تكتمل بإعادة بناء الصورة الخارجية، ولا معنى لاستعادة السيادة الوطنية ما لم تتجسد في قرار مستقل على المسرح الدولي.
وفي الحالة السورية، التي شهدت لعقود طويلة انهيارًا تدريجيًا في منظومة علاقاتها الخارجية وتحولها إلى دولة وظيفية ضمن مشاريع الغير، يصبح لزامًا علينا في مشروع النهضة السورية أن نعيد صياغة السياسة الخارجية والعلاقات الدولية بوصفها أحد أضلاع المثلث المؤسس للنهضة: السيادة، التنمية، الاستقرار.
ولأننا لا نؤمن بسياسات شعاراتية ولا بخطاب استجداء دولي، فإن هندسة السياسة الخارجية يجب أن تستند إلى رؤية واقعية صلبة، تبني مكانة سوريا استنادًا إلى مقوماتها الذاتية، وترتكز على مبادئ أخلاقية واستراتيجية، قادرة على تحويل سوريا إلى شريك يُحسب له حساب، لا إلى طرف تابع أو معزول.
أولًا: المبادئ الكبرى للسياسة الخارجية السورية الجديدة
استقلال القرار الوطني
تحرير القرار السياسي السوري من أي تبعية إقليمية أو دولية، دون أن يعني ذلك الانعزال، بل المشاركة الندية الواعية.
السيادة فوق المصالح التحالفية
عدم الدخول في أي محور إقليمي أو دولي يمس بوحدة الأرض أو استقلال القرار.
العروبة الحضارية والانفتاح الإنساني
إعادة تعريف الهوية السورية ضمن الفضاء العربي الأرحب، دون الانغلاق أو التقوقع القومي، بل بالتفاعل مع جميع الثقافات والأمم.
الشرعية القانونية الدولية أساس التحرك
الالتزام بالقانون الدولي كأداة لتعزيز الموقع السوري والدفاع عن الحقوق، بدلًا من الاتكال على الاصطفافات العابرة.
السلام الإقليمي المشروط بالعدل والسيادة
السعي للسلام مع الجوار والإقليم، ولكن على أسس تحفظ الحقوق السورية كاملة.
الدبلوماسية الوقائية والاستباقية
بناء سياسة خارجية نشطة لا تنتظر الأزمات بل تعمل على منعها أو احتوائها مبكرًا.
ثانيًا: الأهداف الاستراتيجية العليا للسياسة الخارجية
استعادة وحدة الأراضي السورية وإنهاء الاحتلالات
عبر الوسائل الدبلوماسية والسياسية، مدعومةً بموقف قانوني دولي واضح.
إعادة الاندماج الكامل في الفضاء العربي
عبر بناء علاقات استراتيجية مع الدول العربية، تقوم على المصالح المشتركة واحترام السيادة المتبادلة.
رفع العزلة الدولية واستعادة الشرعية
بالانخراط الفعال في المنظمات الدولية والإقليمية، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والثقافية.
تحقيق التوازن في العلاقات الدولية
عبر سياسة متعددة الاتجاهات مع القوى الكبرى (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الصين، روسيا)، وفق مبدأ المصالح المتبادلة.
دعم التنمية الداخلية عبر الدبلوماسية الاقتصادية
بتحويل السياسة الخارجية إلى رافعة للاستثمار، والتكنولوجيا، والتعليم، والثقافة.
حماية حقوق الجاليات السورية
وضمان مساهمتها في إعادة الإعمار الوطني.
ثالثًا: البنية المؤسسية للسياسة الخارجية السورية الجديدة
إعادة هيكلة وزارة الخارجية
لتكون وزارة سيادة حقيقية، تعتمد الكفاءة والجدارة لا الولاء السياسي.
مجلس الأمن والسياسة الخارجية
هيئة عليا للتنسيق بين السلطات الثلاث والجهات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، تضع الاستراتيجيات الكبرى.
مراكز دراسات استراتيجية مستقلة
ترفد القرار السياسي بتحليل معمق ورؤى مستقبلية.
بعثات دبلوماسية نشطة وعصرية
عبر انتقاء الكوادر على أساس المهنية والجدارة، وتدريبها على الدبلوماسية الحديثة والتواصل الاستراتيجي.
سياسة خارجية رقمية ومنصات إعلامية دولية
لنقل صوت سوريا الجديدة إلى العالم بلغاته ومفاهيمه.
رابعًا: شبكة العلاقات العربية والدولية لسوريا الجديدة
- العلاقات العربية
الانفتاح الكامل على المحيط العربي
مع احترام السيادة وعدم التدخل، وبناء تحالفات اقتصادية وتنموية وأمنية.
المشاركة النشطة في الجامعة العربية
لا عبر الانضواء الشكلي بل عبر طرح مبادرات فاعلة تحقق المصالح السورية والعربية معًا.
تفعيل الشراكات مع الخليج العربي
خصوصًا في مجالات الاستثمار، والطاقة، والتعليم، وإعادة الإعمار.
بناء علاقة استراتيجية مع مصر والأردن والعراق
كدول محورية تربط المشرق العربي وتدعم الاستقرار الإقليمي.
- العلاقات الإقليمية والدولية
تركيا وإيران
التعامل الحازم مع ملف الاحتلالات والتدخلات، عبر القنوات السياسية والقانونية، مع فتح مسارات التفاوض المشروط بالانسحاب والاحترام المتبادل.
الولايات المتحدة وأوروبا
إقامة علاقات شراكة تقوم على دعم الاستقرار، مكافحة الإرهاب، وإعادة بناء الاقتصاد السوري ضمن إطار يحترم السيادة السورية.
روسيا والصين
إدارة العلاقة بمرونة براغماتية توازن المصالح، مع الحذر من الانخراط في محاور إكراهية أو تحالفات تقيد القرار السوري.
المنظمات الدولية
استعادة مقعد سوريا الطبيعي في المنظمات الدولية، واستخدام هذه المنصات لدعم قضايا التنمية، اللاجئين، إعادة الإعمار، وإنهاء الاحتلالات.
خامسًا: آليات الانخراط الإقليمي والدولي
الدبلوماسية الثنائية والمتعددة الأطراف
تفعيل الدبلوماسية الشعبية والموازية
المشاركة الفعالة في المبادرات الإقليمية
تنمية أدوات القوة الناعمة السورية
(الثقافة، الفن، التعليم، الإعلام الدولي).
استخدام الدبلوماسية الاقتصادية كأداة نفوذ
عبر توقيع اتفاقيات استثمارية وشراكات استراتيجية.
سادسًا: أولوية استعادة السيادة والوحدة الوطنية عبر الدبلوماسية
تحويل ملف الاحتلالات إلى قضية رأي عام دولي
تنظيم حملات قانونية–دبلوماسية أمام الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية
ربط أي تفاوض دولي بشرط احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية
تعزيز الوجود السوري القانوني والسياسي في المحافل الدولية كوسيلة ضغط مشروعة
سابعًا: الدور السوري المقترح في النظام الإقليمي والدولي
دولة داعمة للاستقرار والتنمية في المشرق العربي
شريك في مبادرات الأمن المائي والغذائي الإقليمي
مركز ثقافي وتعليمي يربط الشرق بالغرب
مساهم فاعل في قضايا البيئة والطاقة المتجددة
وسيط إقليمي لحل النزاعات برؤية حيادية واقعية
ثامنًا: استراتيجية التعامل مع القوى الكبرى
الولايات المتحدة وأوروبا
السعي إلى بناء شراكة متوازنة تقوم على الاستقرار، مكافحة الإرهاب، وتحقيق التنمية.
الصين وروسيا
انتهاج سياسة التوازن وعدم الانخراط العميق في تحالفات عسكرية أو سياسية تضر بالقرار الوطني.
التحالفات الإقليمية الصغرى
كمنظومات التعاون العربي–الإفريقي، أو العربي–الآسيوي، لتعزيز أوراق القوة السورية.
تاسعًا: منظومة التواصل مع الجاليات السورية
تعزيز روابط الانتماء الوطني
إنشاء مجالس تمثيلية للجاليات بالتنسيق مع السفارات
تشجيع الاستثمار في الداخل السوري
حماية حقوق الجاليات قانونيًا وخدماتيًا
بناء لوبيات سورية داعمة لقضايانا في دول الشتات
عاشرًا: الإدارة المنهجية للنزاعات والتحديات الخارجية
أولوية المسار السياسي والقانوني
استخدام أوراق الضغط الاستراتيجية الاقتصادية والديبلوماسية
بناء تحالفات ظرفية مرنة
التحلي بواقعية استراتيجية توازن بين المبادئ والمصالح
الخاتمة:
ليست السياسة الخارجية ترفًا للنخب، بل ركيزة في بناء الدولة القادرة، ولا يمكن لسوريا أن تكون دولة سيادية قوية دون سياسة خارجية مبنية على الواقعية، المبادئ، والفاعلية.
مشروع النهضة لا يطرح سياسة خارجية تقوم على الشعارات أو المغامرات، بل على رؤية صلبة، مدروسة، مستندة إلى فهم عميق لمكانة سوريا وتاريخها ومستقبلها.
بسوريا الجديدة، سنعيد كتابة دورنا وموقعنا، لا بأوهام القوة المجردة، بل بحكمة السيادة، وعقلنة المصالح، وإرادة الحياة.