web analytics
القسم الثاني عشر – الباب الثالث

الفصل الثالث عشر العلاقة مع إيران

من الوصاية العقائدية إلى الاستقلال السياسي

تمهيد:

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، دخلت العلاقة السورية–الإيرانية في مسار غير متكافئ، بدأ بتحالف سياسي–إقليمي خلال الحرب العراقية–الإيرانية، ثم تعمّق بشكل غير مسبوق بعد عام 2003، إلى أن بلغ ذروته خلال الحرب السورية بعد 2011، حيث أصبحت إيران، عبر أذرعها العسكرية والمالية والعقائدية، شريكًا فعليًا في إدارة الدولة السورية، بل في أحيان كثيرة، طرفًا يتجاوزها.

وقد تحوّلت هذه العلاقة من دعم سياسي تقليدي، إلى وصاية عقائدية–أمنية شاملة، شملت بنية الجيش، أجهزة الأمن، الاقتصاد، التعليم، وحتى الخطاب الديني والثقافي. والنتيجة كانت تحويل سوريا إلى ساحة صراع بالوكالة، وإلى مركز نفوذ إيراني مباشر في قلب المشرق العربي.

في الدولة السورية الجديدة، لا يمكن استمرار هذه العلاقة بذات الشكل، ولا يمكن التستر خلف شعارات المقاومة أو وحدة المصير لتبرير هذا النفوذ المتغلغل. بل يجب أن يُعاد ضبط العلاقة مع إيران، لا انطلاقًا من العداء العقيم، بل من منطلق السيادة، وإعادة التوازن، وحماية القرار الوطني من الارتهان، دون السقوط في اصطفافات طائفية أو إقليمية خطيرة.

ويُعالج هذا الفصل العلاقة مع إيران من خلال ستة محاور شاملة:

أولًا: السياق التاريخي لعلاقة ما قبل الثورة وما بعدها

تعود العلاقة السورية–الإيرانية إلى ما قبل الثورة الإيرانية، لكنها لم تكن متينة إلا بعد عام 1979.

توطدت العلاقة خلال:

الحرب العراقية–الإيرانية (1980–1988)، حين وقفت سوريا ضد النظام العراقي.

الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ما جعل الطرفين يقفان على أرضية مشتركة ضد النفوذ الأمريكي.

الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة، التي وظفها الطرفان لتعزيز “محور المقاومة”.

بعد عام 2011، انتقلت العلاقة إلى مستوى جديد:

دعم مباشر للنظام بالمال والسلاح والمقاتلين.

تدخل في بنية القرار الأمني والعسكري السوري.

دعم ميليشيات مذهبية مرتبطة بالحرس الثوري، كفيلق القدس ولواء فاطميون وزينبيون.

ثانيًا: الأبعاد السياسية – من الشراكة إلى الوصاية

لم تعد إيران شريكًا سياسيًا للنظام السوري، بل أصبحت وصيًّا فعليًا، عبر:

حضور مستشارين عسكريين وأمنيين في غرف القرار.

تمويل الأجهزة العسكرية الموالية لها بشكل منفصل عن مؤسسات الدولة.

التأثير في الخطاب السياسي الداخلي والخارجي بما يخدم مصالح طهران الإقليمية.

في الدولة الجديدة:

يُعاد ضبط العلاقة السياسية على قاعدة السيادة الكاملة.

تُلغى أي قنوات موازية للتمثيل الدبلوماسي الرسمي.

يُمنع تدخل أي سفارة أو شخصية إيرانية في الملفات الوطنية، وخاصة الأمن، العدالة، الإعلام، والتعليم.

ثالثًا: الأبعاد العسكرية والأمنية – تفكيك النفوذ المسلح غير الشرعي

أنشأت إيران داخل سوريا منظومة عسكرية موازية، عبر:

تدريب وتسليح وتشكيل ميليشيات مرتبطة بها مباشرة.

زرع خلايا داخل الأجهزة الأمنية الرسمية.

السيطرة على مناطق حيوية بحجج دينية أو أمنية (مثل محيط “السيدة زينب” بريف دمشق).

في سوريا الجديدة:

تُعتبر هذه الميليشيات قوى غير شرعية ويُعاد تأهيل أعضائها ضمن مؤسسة الدولة أو تُفكك.

تُمنع أي جهة غير وطنية من حمل السلاح أو إدارة السجون أو السيطرة على الأرض.

يُعاد بناء الجيش والأمن على قاعدة السيادة لا الولاء الخارجي.

رابعًا: الأبعاد الاقتصادية – من استحواذ استراتيجي إلى شراكة خاضعة للرقابة

حصلت إيران على امتيازات اقتصادية كبيرة خلال سنوات الحرب، شملت:

عقودًا طويلة الأمد في قطاعات الطاقة والاتصالات والموانئ.

استثمارات في الأراضي الزراعية والسكنية ضمن مشاريع مشبوهة.

تحويل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد تابع عبر شبكات تهريب وتحويلات مالية.

لإعادة ضبط هذه العلاقة اقتصاديًا، يجب:

مراجعة كل العقود الموقعة منذ 2011 ضمن لجنة سيادية مستقلة.

حظر أي اتفاقيات تمنح امتيازات استراتيجية دون منافسة أو رقابة.

إخراج الحرس الثوري وشركاته التابعة من كل المفاصل الاقتصادية الحيوية.

خامسًا: الأبعاد العقائدية والثقافية – من التغلغل الطائفي إلى حماية التعدد الديني

استخدمت إيران الحرب السورية لنشر خطاب مذهبي ضيق من خلال:

بناء الحسينيات والمراكز الثقافية الشيعية في مناطق سنية لا تعرف هذا التقليد.

دعم عمليات تشيّع قسرية عبر المال والوظيفة.

فرض مناهج دينية ذات طابع طائفي في بعض المدارس والمراكز التربوية.

في سوريا الجديدة:

يُحظر أي نشاط عقائدي يرتبط بجهة أجنبية أو يهدد الوحدة الوطنية.

تُحمى حرية المعتقد ضمن القانون، ويُفصل بين الدين والسياسة.

تُراجع كل الاتفاقيات التعليمية والدينية الموقعة مع إيران بما يضمن التوازن الديني والثقافي داخل المجتمع السوري.

سادسًا: العلاقة الإقليمية – من التبعية لمحور إلى الدولة الوسيطة المتزنة

كان النظام السابق جزءًا من “محور إيران” الذي يشمل:

حزب الله في لبنان.

الحشد الشعبي في العراق.

الحوثيين في اليمن.

هذا المحور جعل من سوريا قاعدة صراع إقليمي مع المحيط العربي والخليجي.

في الدولة الجديدة:

تُلغى كل أشكال التبعية للمحاور الإقليمية.

تُعاد العلاقة مع إيران إلى مستواها الطبيعي كدولة جوار إسلامية، تُحترم ويُحترم استقلالها، لكن دون أي اندماج في مشاريعها الإقليمية.

يُؤسَّس لسياسة خارجية توازن بين المحاور، دون الدخول فيها.

خاتمة الفصل:

إن العلاقة مع إيران لا تُلغى ولا تُعاد إنتاجها، بل تُعاد صياغتها.
فالسيادة لا تعني العداء، لكنها تعني أن يكون القرار سوريًا، لا فارسيًا ولا عثمانيًا ولا أمريكيًا.
وفي ظل الدولة الجديدة، لا وجود لميليشيا، ولا لعقد إذعان، ولا لوصاية دينية أو أمنية،
بل لدولة تتعامل مع الجميع بندّية،
وتبني علاقة مع إيران على قاعدة المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل،
دون خوف،
ودون تبعية،
ودون غموض.