القسم الثاني عشر – الباب الثالث
الفصل السادس عشر العلاقة مع مصر والأردن
إعادة بناء التحالفات الطبيعية
تمهيد:
تُعدّ كل من مصر والأردن امتدادًا طبيعيًا لسوريا في التاريخ والجغرافيا والثقافة والمصلحة. فمع هذين البلدين، لا تُبنى العلاقات على موازنات القطب الواحد أو الحسابات المؤقتة، بل على ما يجمع شعوب المنطقة من روابط حضارية وأمنية وتاريخية ضاربة الجذور، وعلى إدراك مشترك بأن أمن سوريا واستقرارها هو ركيزة في أمن واستقرار الإقليم بأسره.
غير أن السياسات الارتجالية للنظام السابق، والارتهان المتواصل لمحاور إقليمية متضادة، واحتكار القرار السياسي لصالح توازنات سلطوية ضيقة، أدت إلى تعطيل هذا الامتداد الطبيعي، وتفكيك الجسور مع مصر، وتحويل العلاقة مع الأردن إلى عبء حدودي وأمني متوتر.
في الدولة السورية الجديدة، لا تَعود العلاقة مع هذين البلدين خيارًا ظرفيًا، بل ضرورة استراتيجية يجب إعادة بنائها، لا بالانفعال ولا بالارتهان، بل بالعقل السياسي السيادي. ويُعالج هذا الفصل هذه العلاقة من خلال ستة محاور مركزية:
أولًا: مصر وسوريا – من وحدة سياسية إلى قطيعة استبدادية
شهدت العلاقات السورية–المصرية مراحل متقدمة من التعاون، أبرزها:
وحدة 1958 التي انتهت بفشل سياسي بسبب غياب الرؤية التشاركية.
المشاركة في حرب أكتوبر 1973.
التعاون الإقليمي خلال المراحل الأولى من حكم الأسد الأب.
لاحقًا، خضعت العلاقة:
لبرود مزمن مع سياسات حسني مبارك.
ثم لقطيعة مباشرة بعد الثورة السورية، خصوصًا في عهد مرسي، لأسباب أيديولوجية وميدانية.
ثم لعودة حذرة خلال حكم السيسي، في إطار الحفاظ على الدولة السورية دون دعم النظام.
في الدولة الجديدة:
تُبنى العلاقة مع مصر بوصفها دولة مركزية في المشرق العربي، لا بوصفها تابعة أو راعية.
تُستعاد القنوات الدبلوماسية، العسكرية، والثقافية، في إطار سيادي مشترك.
تُستثمر الخبرات المصرية في إعادة بناء المؤسسات، والقطاع العام، والتعليم، دون وصاية أو امتيازات.
ثانيًا: الأردن وسوريا – من عمق استراتيجي مشترك إلى أزمة حدود وخطوط تهريب
العلاقة السورية–الأردنية كانت تاريخيًا مستقرة نسبيًا، رغم بعض التوترات في الحقبة البعثية.
بعد 2011، تحوّلت العلاقة إلى:
ملف تهديد أمني للأردن بسبب تمدد الفوضى والميليشيات وتهريب المخدرات.
صراع حدودي غير مباشر، وإغلاق تجاري وعبور لوجستي.
ورقة ضغط بيد النظام السوري ضد عمان، خاصة عبر الجنوب السوري.
في الدولة الجديدة:
يجب أن تُعاد العلاقة إلى عمقها الطبيعي:
تنسيق أمني متبادل على قاعدة احترام السيادة.
فتح الحدود ضمن ترتيبات قانونية لا أمنية فقط.
تعاون في مكافحة التهريب وتنظيم شبكات المعابر البرية.
ثالثًا: تحييد العلاقة مع مصر والأردن عن المحاور الإقليمية
تمّ توظيف العلاقة مع مصر والأردن داخل تحالفات كبرى:
النظام استخدم مصر في مرحلة ما لموازنة إيران وتركيا.
والمعارضة استخدمت الأردن بوابةً للتواصل مع الغرب.
أما في الدولة السورية الجديدة:
تُفصل العلاقة الثنائية عن التموضع في أي محور سياسي أو أمني.
وتُبنى العلاقات مع كل من القاهرة وعمان على أساس التوازن الإقليمي لا الوكالة أو الاستلحاق.
رابعًا: إعادة تشغيل الجغرافيا السياسية – من المعابر إلى خطوط الطاقة
سوريا تمثل ممرًا طبيعيًا للطاقة، والتجارة، والربط البري بين الخليج والمتوسط، وبين تركيا ومصر.
ويجب في هذا الإطار:
إعادة فتح طريق التجارة البري من عمان إلى دمشق إلى بيروت.
التعاون في مشاريع الربط الكهربائي بين مصر والأردن وسوريا.
استثمار الجغرافيا السورية كممر استراتيجي بديل للأسواق المحاصرة.
خامسًا: التنسيق الأمني والاستخباري – من الارتياب المتبادل إلى الشراكة الوقائية
شهدت العلاقة الأمنية بين سوريا وكل من مصر والأردن مراحل من التعاون المشروط والارتياب المتبادل.
في مرحلة ما بعد الاستبداد:
تُبنى قاعدة جديدة للتعاون الأمني تقوم على:
تبادل المعلومات في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
مراقبة الحدود بشكل متكامل ضمن منظومة أمن إقليمي.
احترام الخصوصية الأمنية دون خرق سيادة أي طرف.
سادسًا: البعد الثقافي والمجتمعي – نحو تكامل شعبي لا مجرد تحالف حكومي
لا تقتصر العلاقة بين سوريا من جهة، ومصر والأردن من جهة أخرى، على الحكومات:
بل تشمل الجاليات، والطلاب، والمثقفين، والمؤسسات التربوية، والمجتمع المدني.
ويجب أن يُعاد تفعيل هذا البعد من خلال:
اتفاقيات جامعية وثقافية ثنائية.
استضافة المعارض المشتركة والفعاليات الفنية والعلمية.
تسهيل حركة المواطنين في إطار منظم قانونيًا يحمي الكرامة ويحترم المصالح المتبادلة.
خاتمة الفصل:
لا تحتاج سوريا إلى اختراع تحالفات جديدة مع مصر والأردن،
بل إلى إعادة اكتشاف ما هو طبيعيٌ فيها:
الامتداد، والجوار، والمصالح المشتركة، والأمن المتقاطع.
وفي الدولة السورية الجديدة،
لا يُعاد فتح الباب من منطلق الحاجة،
بل من منطلق الندّية السياسية،
والتكامل الاستراتيجي،
وبناء محور استقرار قائم على الدول، لا على الميليشيات والمحاور.