web analytics
القسم الثاني عشر – الباب الثالث

الفصل الثامن عشر العلاقة مع دول المغرب العربي

توسيع دائرة العمق العربي

تمهيد:

لطالما نظر النظام السوري إلى دول المغرب العربي نظرةً هامشية، تقتصر على البعد الدبلوماسي الشكلي أو التنسيق العربي الموسمي. رغم أن هذه الدول – من المغرب إلى موريتانيا مرورًا بتونس والجزائر وليبيا – تمثّل امتدادًا طبيعيًا للهوية العربية الجامعة، ومجالًا خصبًا للتعاون السياسي والثقافي والاقتصادي، وبُعدًا جغرافيًا–حضاريًا يُعزز من قدرة سوريا على التموضع العربي المتوازن.

في الدولة السورية الجديدة، لا يُعاد إنتاج هذه العلاقة وفق منطق المجاملات السياسية، ولا تُترك رهينةً لاعتبارات محاور المشرق، بل تُبنى بوصفها جسرًا مكمّلًا للسيادة السورية داخل الفضاء العربي، وبوصفها جزءًا من استراتيجية إعادة توزيع الحضور السوري عربيًا، خارج ازدواجية الخليج والمشرق.

ويُعالج هذا الفصل العلاقة مع دول المغرب العربي من خلال خمس محاور شاملة:

أولًا: الموقع الاستراتيجي لدول المغرب العربي في إعادة التوازن العربي–العربي

تُشكّل دول المغرب العربي ثقلًا سياسيًا وثقافيًا وشعبيًا كبيرًا في المنظومة العربية، لكنها ظلّت مُبعدة عن التأثير في الملف السوري، لأسباب تتعلّق بـ:

بعد الجغرافيا.

ضعف الحضور السوري هناك.

وانكفاء النظام السوري عن التفاعل الإيجابي مع هذه الدول.

اليوم، تحتاج سوريا الجديدة إلى:

إعادة بناء الجسور السياسية والدبلوماسية مع المغرب العربي.

إشراك هذه الدول في مشاريع الحل العربي للملف السوري.

إحداث توازن في الانفتاح العربي نحو الغرب الجغرافي، لا البقاء محصورين في الشرق الخليجي فقط.

ثانيًا: التعامل التفصيلي مع كل دولة مغاربية ضمن سياقاتها الخاصة

الجزائر:

تُعد حليفًا سياسيًا تقليديًا لسوريا، رغم تحفظاتها على قضايا حقوق الإنسان.

يُمكن البناء على الحياد الإيجابي الجزائري لإطلاق مبادرات عربية مستقلة بشأن سوريا.

تونس:

عرفت علاقتها مع النظام السوري تقلبًا كبيرًا بعد الثورة التونسية.

ويجب الانفتاح على المجتمع التونسي المدني والأكاديمي لبناء علاقة شعبية طويلة المدى.

المغرب:

رغم تباعد المواقف، إلا أن الرباط لعبت دورًا هادئًا خلال الأزمة السورية.

ويُمكن فتح قنوات ثقافية–اقتصادية مع المغرب بعيدًا عن الاستقطاب.

ليبيا:

تُعد الحالة الليبية مرآة لجزء من التجربة السورية.

ويُفترض تبادل الخبرات حول بناء الدولة ما بعد النزاع، بالتوازي مع تنسيق عربي بشأن إخراج الاحتلالات.

موريتانيا:

بوصفها بلدًا عربيًا خارج الاستقطاب، تُعد شريكًا رمزيًا مهمًا يُعزّز الحضور السوري في القمم العربية والإفريقية.

ثالثًا: تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين سوريا ودول المغرب العربي

رغم ضعف المبادلات الاقتصادية، فإن هناك فرصًا واسعة يمكن استثمارها، منها:

فتح أسواق للمنتجات الزراعية والصناعية السورية في شمال إفريقيا.

التعاون في مجال الطاقة والدواء والتعليم العالي.

تبادل الخبرات في مجالات الحوكمة، البيئة، وتمكين الشباب.

وعلى المستوى الثقافي:

تُعد اللغة المشتركة والانتماء الحضاري أرضية قوية لبناء مشاريع ثقافية وفكرية مشتركة.

يُمكن استضافة مؤتمرات سورية–مغاربية لتقريب الشعوب وفتح المجال أمام الإنتاج الثقافي المشترك.

رابعًا: تأطير العلاقة ضمن رؤية عربية شاملة لا بوصفها توازنًا ضد الشرق

لا تُبنى العلاقة مع المغرب العربي من باب مواجهة محورٍ عربي آخر، بل من باب:

إعادة التوازن الطبيعي داخل الجسم العربي.

تحييد سوريا عن لعبة المحاور.

وبناء شبكة دعم سياسي وديبلوماسي جديدة داخل الجامعة العربية.

كما يُعاد النظر في تشكيل اللجان العربية الخاصة بسوريا لتضمّ دولًا من المغرب العربي، ما يُعزّز الحياد والشرعية.

خامسًا: الانفتاح الشعبي والمجتمعي – من الرسمية إلى العمق الإنساني

لم تتح العلاقة بين الشعب السوري والمجتمعات المغاربية فرصًا كثيرة للتفاعل المباشر بسبب بُعد الجغرافيا وقلة الحركة.

ويجب في الدولة الجديدة:

إطلاق برامج تبادل جامعي وثقافي وفني.

تنظيم أسابيع ثقافية متبادلة.

إشراك الجاليات السورية والمغاربية في مبادرات حوار ومصالحة.

خاتمة الفصل:

إن علاقة سوريا بدول المغرب العربي لم تكن يومًا عبئًا أو تهديدًا، بل فرصة مهدورة آن أوان استعادتها.
وفي الدولة السورية الجديدة، لا تُبنى هذه العلاقة لملء الفراغ،
بل لإنتاج حضور عربي أوسع من المحاور، وأعمق من التوازنات المؤقتة.

فمن الغرب العربي، تُستعاد العروبة بلا استبداد،
وتُبنى علاقات لا على المال، بل على الانتماء،
ولا على المصالح فقط، بل على الوعي المشترك بمستقبل عربي متحرر من التوظيف والإقصاء.