web analytics
القسم الثاني عشر – الباب الرابع

الفصل التاسع عشر استعادة الدور السوري في جامعة الدول العربية

من الغياب إلى التأثير

تمهيد:

لم يكن خروج سوريا من جامعة الدول العربية في عام 2011 مجرد إجراء إداري، بل لحظة سياسية كاشفة، عكست انهيار العلاقة بين السلطة الحاكمة والعمق العربي، وفضحت غياب أي تمثيل سيادي حقيقي داخل الإطار الجماعي للأمة. وعلى مدار السنوات التالية، بقيت سوريا خارج المعادلات العربية الفاعلة، إما بسبب موقعها كطرف في نزاع أهلي، أو كأداة في محاور غير عربية، أو كسلطة فاقدة للشرعية الإقليمية والشعبية.

لكن عودة سوريا إلى الجامعة ليست مسألة شكلية تُحلّ بدعوة أو مقعد، بل مسار سيادي يجب أن يبنى من الجذور، عبر تغيير طبيعة الدولة، وهندسة علاقتها بمحيطها، وتحويل هذه العودة من محاولة تطبيع مع الماضي إلى بداية فعلية لحضور وطني فاعل ضمن مشروع عربي جديد.

ويعالج هذا الفصل مفهوم استعادة الدور السوري ضمن جامعة الدول العربية من خلال ستة محاور رئيسية:

أولًا: فهم الغياب لا بوصفه إقصاءً بل نتيجة لانهيار الشرعية

لا يمكن اختزال تعليق عضوية سوريا في الجامعة بأنه قرار خارجي معادٍ، بل هو:

انعكاس لغياب المشروعية السياسية داخل الدولة.

رد فعل على سياسة القمع والتفرد بالقرار.

ونتيجة لانخراط السلطة في محاور إقليمية ضد العمق العربي.

في الدولة الجديدة، يُفهم هذا الغياب بوصفه درسًا قاسيًا، لا مظلومية.

والعودة تبدأ باستعادة شرعية الداخل، لأن الجامعة لا تحتضن كراسي فارغة بل دولًا تمثل شعوبها.

ثانيًا: الشروط الموضوعية لاستعادة المقعد بوصفه تمثيلًا سياديًا

العودة إلى الجامعة لا تتم ببيان سياسي، بل بوجود:

دولة مستقلة لا خاضعة.

حكومة تمثل إرادة شعبية لا مصالح قوى خارجية.

مؤسسات سيادية لا سلطات عسكرية أو طائفية.

ولذلك:

تُبنى العودة السورية على قاعدة شراكة ندية لا صفقة سياسية.

يُعاد طرح سوريا في الجامعة كدولة مستقلة بمشروع وطني جامع.

ويُرفض أي تطبيع مع الماضي يُعيد إنتاج السلطة دون التزام حقيقي بالتحول.

ثالثًا: إصلاح طبيعة التمثيل السوري داخل الجامعة وآليات القرار

لم يكن الحضور السوري سابقًا في الجامعة فاعلًا، بل:

شكليًا، بيروقراطيًا، تابعًا لمزاج النظام.

غائبًا عن المبادرات الكبرى.

عاجزًا عن التأثير في القرارات المصيرية.

في الدولة الجديدة:

يُعاد تشكيل البعثة السورية لتضم شخصيات مدنية–سياسية تمثيلية.

يُفعل الحضور السوري في كل اللجان (الحقوقية، الثقافية، القانونية، الاقتصادية).

وتُقترح آلية مشتركة للتنسيق بين الجامعة والمؤسسات السورية الجديدة.

رابعًا: العلاقة مع المبادرات العربية – من التلقي إلى التفاعل والإنتاج

كثير من المبادرات العربية التي طرحت خلال الأزمة السورية فشلت بسبب:

غياب شريك سوري جاد.

ازدواجية الموقف داخل الجامعة.

وعدم وجود خطة سورية واضحة تقابل تلك المبادرات.

أما في الدولة الجديدة:

تُبنى العلاقة مع المبادرات على قاعدة التفاعل المتكافئ.

تُطرح مبادرة سورية للانخراط الإيجابي في الحلول العربية.

ويُعاد رسم دور الجامعة بوصفها شريكًا لا وسيطًا خارجيًا.

خامسًا: سوريا كطرف فاعل في إصلاح الجامعة نفسها

لا يمكن لسوريا أن تعود إلى جامعة تعاني من الضعف دون أن تشارك في إصلاحها.

ويشمل ذلك:

تطوير آلية التصويت وفض النزاعات.

حماية استقلالية القرار العربي.

تقوية الأذرع التنفيذية للجامعة.

تُطرح سوريا الجديدة كمبادرة إصلاحية بحد ذاتها، لا كطرف عائد فحسب، بل كمساهم في إعادة بناء الدور العربي الجماعي.

سادسًا: تحويل العودة من مسألة كرامة سياسية إلى أداة استراتيجية

ليست العودة للجامعة هدفًا بحد ذاته، بل:

وسيلة لبناء تحالفات اقتصادية وتنموية.

أداة لحماية الأمن القومي العربي الجماعي.

منصة لدعم القضية الفلسطينية من موقع وطني لا مزايداتي.

وتُستخدم العودة لطرح الرؤية السورية الجديدة:

حول الهوية الجامعة.

حول العلاقة بين العرب والسيادة الوطنية.

وحول المشروع النهضوي العربي بوصفه مشروعًا مشتركًا في مواجهة الانقسام والاستتباع.

خاتمة الفصل:

ليست عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية مسألة شكلية، ولا مطلبًا رمزيًا،
بل هي محكٌّ للشرعية الجديدة، واختبار لقدرة الدولة السورية على الانتقال من موقع الأزمة إلى موقع الفاعلية.

وفي هذا السياق، لا تعود سوريا منكسرة، ولا تعود مكرّسة لما سبق،
بل تعود كمشروع دولة،
بوصفها شريكًا في إعادة هندسة الدور العربي، لا مجرد دولة عائدة إلى مقعد.