web analytics
الملاحق التنفيذية الخاصة بالقسم الثاني عشر

الملحق الثالث الاتفاقيات الدولية بحاجة للمراجعة

من التنازل غير المشروع إلى إعادة التفاوض السيادي

( تحليل قانوني–سياسي شامل، واستراتيجية متكاملة لإعادة بناء الشرعية التعاقدية للدولة السورية)

أولًا: مدخل تأسيسي – العقد الدولي في ظل انعدام السيادة

إن التعاقد الدولي ليس أداة تقنية محايدة، بل هو أحد أبرز مظاهر تعبير الدولة عن سيادتها.

ولأن الدولة السورية خلال العقود الأخيرة، وخصوصًا منذ اندلاع الثورة وما تلاها من انهيار، لم تكن تملك سيادة فعلية، بل كانت تُدار بمنطق السلطة–الأداة، فإن أغلب الاتفاقيات الدولية التي وُقعت في تلك الحقبة لم تكن انعكاسًا لمصلحة الشعب أو لصالح الدولة المستقلة، بل جاءت لتكريس واقع التبعية أو تمكين القوى الداعمة للسلطة من بسط نفوذها طويل الأمد.

فقد وُقّعت عقود اقتصادية، أمنية، عسكرية، واستراتيجية، بلا تفويض شعبي ولا رقابة برلمانية ولا التزام بمعايير الشفافية أو المصلحة الوطنية، وغالبًا ما كانت جزءًا من صفقة الحماية السياسية أو العسكرية التي اشترطتها الدول الداعمة لبقاء السلطة.

في ظل هذا الواقع، تصبح مراجعة هذه الاتفاقيات ضرورة لا قانونية فحسب، بل ركيزة من ركائز استعادة السيادة، وبناء شرعية دستورية جديدة تُخضع جميع التزامات الدولة لمبدأ المصلحة العليا، والمحاسبة، والمراجعة، والحق في إعادة التفاوض أو الإلغاء.

ثانيًا: التصنيف النوعي للاتفاقيات المطلوب مراجعتها

  1. الاتفاقيات العسكرية والأمنية

أبرزها:

اتفاق قاعدة حميميم الجوية الموقّع مع روسيا، والذي يمنحها استخدامًا غير محدد زمنيًا وبلا رقابة للمجال الجوي السوري.

اتفاق ميناء طرطوس، الذي يمنح الروس امتيازًا بحريًا على الساحل السوري لمدة 49 عامًا.

بروتوكولات أمنية استخبارية مع روسيا وإيران تتجاوز المؤسسات الرسمية وتحوّل الأمن إلى وظيفة بالوكالة.

  1. الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية

عقود استغلال طويلة الأمد تشمل:

التنقيب عن الفوسفات من قبل شركات روسية بشروط مجحفة.

مشاريع في الكهرباء والاتصالات والتعليم تم منحها لإيران دون منافسة أو شفافية.

منح امتيازات حصرية لشركات أمنية وشبه حكومية أجنبية للتحكم بالطرق والمعابر.

  1. الاتفاقيات السيادية الصامتة

وتشمل:

تفاهمات عسكرية–سياسية تمّت كجزء من “صفقات بقاء” غير معلنة.

منح قواعد أو نقاط تمركز لقوى أجنبية دون نصوص معلنة، مثل التمركز الإيراني داخل منشآت سورية.

السماح لقوى أجنبية بعقد تحالفات داخلية محلية مباشرة (كما فعلت إيران مع ميليشيات، أو روسيا مع قوات تسويات محلية)، ما يخرق مفهوم وحدة القرار والسيادة.

ثالثًا: تقييم الإشكاليات القانونية والدستورية في الاتفاقيات

أ. غياب التفويض الدستوري

لم تمرّ الاتفاقيات الكبرى على أي سلطة تشريعية منتخبة أو مستقلة.

لم يُعرض أغلبها على القضاء أو الرأي العام، بل وُقّعت بسرّية مفرطة.

ب. تعارضها مع مبدأ السيادة الوطنية

منح امتيازات حصرية طويلة الأمد في موارد طبيعية واستراتيجية، دون مقابل واضح، ولشركات غير سورية أو خاضعة لعقوبات دولية.

تحويل قطاعات حيوية إلى مناطق نفوذ للقوى الأجنبية (مثل الكهرباء، الموانئ، التعدين).

ج. عدم قابليتها للمراجعة أو الإلغاء وفق النصوص

صيغت بطريقة تجعل الإلغاء أو التعديل شبه مستحيل دون دفع “غرامات سيادية”.

وُضعت تحت غطاء “الاستثمار” بينما جوهرها اتفاقيات إذعان.

رابعًا: التأثيرات السياسية والاقتصادية طويلة الأمد لهذه الاتفاقيات

تقويض استقلال القرار الوطني في ملفات الأمن والطاقة والموانئ.

منع أي شراكات دولية بديلة بسبب الالتزامات الحصرية الموقّعة.

تعقيد مسار التنمية المستقبلية بسبب قيود التحكم بالموارد الأساسية.

خلق فئة طفيلية من الشركاء المحليين المرتبطين بهذه العقود، تشكّل منظومة فساد جديدة مرتبطة بالأجنبي لا بالمؤسسة الوطنية.

خامسًا: الاستراتيجية الوطنية لمراجعة الاتفاقيات الأجنبية

  1. تأسيس هيئة وطنية مستقلة للمراجعة السيادية

تتكوّن من:

خبراء قانون دولي.

اقتصاديين ومؤسسيين.

قضاة مستقلين.

ممثلين عن برلمان انتقالي أو هيئة تأسيسية.

تُمنح صلاحيات:

التدقيق في النصوص.

مراجعة السياقات التفاوضية.

تحديد مدى شرعيتها القانونية.

إصدار توصيات بالإلغاء أو إعادة التفاوض.

  1. طرح مبدأ “السيادة فوق الالتزام

إعادة تعريف الاتفاقيات بوصفها قابلة للمراجعة إذا:

أُبرمت خارج تفويض شعبي.

كانت في ظرف انهيار.

ألحقت ضررًا فادحًا بمصلحة الدولة العليا.

وهذا مبدأ مقبول في القانون الدولي ضمن نظرية العقود المبرمة تحت الإكراه أو في ظل غياب الإرادة السيادية الحرة.

  1. فتح قنوات تفاوض دبلوماسي ذكي مع الأطراف الموقعة

اعتماد لغة:

لا تقطع الشراكات نهائيًا، بل تُعيد توازنها.

لا تُشهر العداء، بل تفرض الاحترام.

لا تُهدر مصالح حقيقية، بل تُحاصر الامتيازات المجانية واللامشروعة.

  1. ربط الاتفاقيات الجديدة بمعايير شفافية ومصلحة وطنية

لا يجوز توقيع أي اتفاق مستقبلي دون:

رقابة برلمانية–قضائية.

إعلان النصوص كاملة للرأي العام.

مراجعة دورية لعوائد الاتفاق وتبعاته السياسية والاقتصادية.

خاتمة الملحق:

لم تكن الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها سلطة الأمر الواقع عقود شراكة بين دول ذات سيادة، بل كانت في كثير منها وثائق تنازل عن القرار والمورد والمستقبل.

والمسألة ليست في إنهاء هذه الاتفاقيات عاطفيًا، بل في فهمها، تفكيكها، ومساءلتها ضمن مشروع دولة جديدة تُعيد الحق إلى يد الشعب، وتُعيد إنتاج علاقتها بالعالم من موقع الند لا التبعية.

ففي زمن استعادة الدولة،
لا يُبنى الحاضر فوق التزامات الماضي المكسور،
بل تُؤسَّس شرعية جديدة،
تحمي الحقوق، وتُعيد صياغة العقود،
وتقول بوضوح:
السيادة لا تُستأجر، ولا تُورّث، ولا تُقايض.